هذا التوتر في العلاقات بين السلطة والدول الراغبة في تطويع السلطة أو قلبها، لم يطف على السطح بعد، لكنه، موجود ومتزايد، والدلائل والاشارات على ذلك كثيرة لكل من يتابع عملية التعاطي والتعامل، وحتى البروتوكولات المستخدمة والمتبعة في اللقاءات الثنائية ، تثير الانتباه والتساؤل.
فالعلاقة بين مصر والسلطة ليست على ما يرام، ومواقف القاهرة من بعض القضايا الداخلية في الساحة الفلسطينية ليست حاسمة، ويتم التعاطي معها، بلغة دبلوماسية ، عبارات تحتمل التأويل والتفسير المتعدد، وعند السؤال عن السبب يأتي الرد دبلوماسيا، أي لا يتم قطع الشك باليقين، وهناك، عوامل طارئة دخلت على خط العلاقة الفلسطينية المصرية لعبت دورا في توتر غير مرئي للعلاقة، فالجانبان غير معنيين باظهار الأمر وتسليط الضوء عليه، هذه العوامل تفسرها القاهرة، بأنها ليست ذات علاقة بالسلطة ونهجها ومواقفها، وانما هي علاقات تخص مصر وحدها، أي أن الامر داخلي، ولا داعي للتركيز عليه، غير أن متنفذين في السلطة يرون غير ذلك، وحسم المواقف بشأن العوامل الطارئة لم يتم بعد، ويبقى التوتر مخفيا، يحرص الجانبان على عدم تطويره واظهاره، وهناك دول في المنطقة، تقف وراء توتير العلاقات الفلسطينية المصرية، بعضها لعوامل شخصية، ودعم لاصطفافات جديدة، والبعض الآخر أملا في الاحتواء ، والتأثير في القرارات والسياسات.
وبالنسبة للعلاقة الفلسطينية الاردنية، فهي تعيش توترا من نوع آخر، فكلا الطرفين في حالة شكوى دائمة، والزيارات المتبادلة أيا كان مستوياتها، باتت تصنف تحت خانة "المجاملة" وتلعب اسرائيل دورا كبيرا في تعميق هذا التوتر، فعلى خلفية عقد اللقاءات وطرح المبادارات، والممارسات، يتراكم هذا التوتر، مع شكوى اردنية من أن السلطة تقوم بتحركات وتتخذ مواقف دون التنسيق مع عمان.
هذا التوتر بين السلطة والاردن، فتح ثغرات لتسلل قوى وقيادات تأمل اسنادا اردنيا في معركة خلافة الرئيس الفلسطيني، وزاد الأمر تعقيدا أن قوى اقليمية ودولية دخلت على خط رعبات الامساك بمقود السلطة، والمؤكد هنا، أن التوتر في العلاقات الفلسطينية الاردنية موجود، رغم ادعاءات قادمة من الجانبين.
أما العلاقة الفلسطينية مع مشيخة قطر، فهي حذرة، ومقلقة، فالمشيخة القطرية، تريد التحكم في الساحة الفلسطينية بعد أن ارتهنت اليها حركة حماس، وبالتالي، هي تريد "مواطىء أقدام" في رام الله، تأثيرا واملاء مواقف، وبالتالي، الدعم المالي القطري للفلسطينيين مجمد، الا في حالات التآمر، ودعم الاصطفافات المريبة، وتدرك السلطة الفلسطينية وأعلى رأس فيها ذلك، لكنها، تحرص على عدم تفجير الأوضاع لعل وعسى، مع علمها، بأن المشيخة تخطط لقلب السلطة، عبر تقوية حركة حماس، وهي لن تتورع مستقبلا بأن تمس بالسلطة الفلسطينية، فوضى واشتعالا، باشكال مختلفة، وربما بالتخطيط ايضا مع اسرائيل، في الاطار الوظيفي للمشيخة، أي تقديم الخدمات لتل أبيب وواشنطن.
وبالنسبة للعلاقة الفلسطينية مع المملكة الوهابية السعودية، فهي في الظاهر جيدة، وما تزال السلطة، تُحسن الثقة بالوهابيين، مع أن آل سعود، سريعو الانقلاب، وأصحاب مزاج، وهم على استعداد لوضع أيديهم مع أية جهة لقلب السلطة، وابعاد رئيسها، مقابل وقوف تلك الجهة مع سياسات المملكة الوهابية، خاصة تلك الداعمة للارهاب والتخريب والتقتيل في ساحات سوريا واليمن والعراق، ويلاحظ، أن ما تقدمه السعودية من دعم مالي بسيط، يأتي ثمنا لمواقف من جانب السلطة، وأملا من الرياض في اسناد فلسطيني لسياساتها الظالمة الحاقدة، أو أن تكون السلطة استكمال عدد لتحالف ما تقيمه الرياض لضرب تطلعات الأمة العربية.
وعن العلاقات الاماراتية الفلسطينية، فالتوتر المتصاعد في هذه العلاقات واضح تماما، فالقيادة الاماراتية، معنية باصدقاء لها لتولي الحكم في الساحة الفلسطينية بديلا عن الرئيس محمود عباس، بعيدا عن موقف ورغبات شعب فلسطين ، المتعارض مع آمال ورغبة الاماراتيين، فالعلاقات الشخصية التي بنت أبو ظبي موقفها من السلطة ورئيسها هي التي تقف وراء احجام الامارات عن مواصلة دعم الشعب الفلسطيني، وايضا وراء التحرك الخفي التي بدأت تظهر ملامحه للامساك بهرم السلطة، وبأشكال مختلفة.
هذه هي حقيقة العلاقات الفلسطينية مع دول عربية، ولكل من هذه الدول مصالحها، وأطماعها، وأسبابها، وبالتالي، تدخل في هذا التصنيف، التحالفات المقامة بتمويل وهابي سعودي، التي قد تنقلب في النهاية ضد السلطة الفلسطينية، اذا ما أدركت قيادة السلطة ما يمكن أن يحصل مستقبلا، وراحت تعزز الوضع الداخلي، وتقتلع السلبيات التي يشكو منها الشارع الفلسطيني.
وفي هذا السياق، هناك هدف مشترك للكثير من الأنظمة والقوى في الساحة العربية، تتسابق عليه لانجازه، وهو تمرير حل تصفوي في الساحة الفلسطينية ارضاء لاسرائيل التي "تغط" في بحر من العلاقات الحميمية مع العديد من الأنظمة والجهات.