2024-11-30 06:42 م

ليس لفلسطين إلا دمها..

2017-08-04
بقلم: طلال سلمان
خرج أهل النظام العربى أبكر مما يجب من ميدان فلسطين، فى البدايات كانت «الهدنة» الاضطرارية تفصل بين عدوان إسرائيلى وآخر، ثم كان العدوان الثلاثى فى العام 1956 «حربا إسرائيلية» على مصر بمشاركة بريطانيا (ثأرا منها لإخراجها من مصر) وفرنسا (ثائرا منها لهزيمتها أمام الثورة الجزائرية التى دعمتها مصر جمال عبدالناصر كما الشعب العربى فى كل أرضه)، فى العام 1967 وتحديدا فى الخامس من (يونيو)، شنت قوات العدو الإسرائيلى الحرب على مصر، فى غفلة منها، فاحتلت كامل شبه جزيرة سيناء حتى قناة السويس، وعلى سوريا فى وقت معا فاحتلت هضبة الجولان وهددت دمشق.
ولجأت مصر إلى حرب الاستنزاف خلال فترة الاستعداد للعودة إلى الميدان (1969ــ 1968)، فى حين كانت تحضر الجيش لعبور القناة إلى الضفة الأخرى. وبرغم وفاة الرئيس جمال عبدالناصر فى 28 أيلول 1970، بصورة مفاجئة، وبعد مجهود هائل بذله لوقف الحرب الأردنية ضد منظمة التحرير الوطنى الفلسطينى وفدائييها، فقد تواصل التنسيق المصرى ــ السورى ليبلغ ذروته بقرار الحرب على الكيان الإسرائيلى فى الساعة الثانية من بعد ظهر السادس من (أكتوبر) 1973. وحقق فيها الجيشان بالقفزة الأولى نتائج باهرة: عبر الجيش المصرى الحاجز المائى (قناة السويس بكفاءة نادرة وبسالة استثنائية) وتقدم داخل سيناء. فى حين استطاع الجيش السورى دحر قوات العدو الإسرائيلى والوصول إلى تحصيناته فى جبل الشيخ محررا الجولان وصولا إلى ضفاف بحيرة طبريا.
ــ2ــ
ومع الأسف فلم يكن لقوات منظمة التحرير الفلسطينية دور فى هذه الحرب، مما خلف لدى قيادتها (وجماهيرها) مرارة عميقة سرعان ما انقلبت إلى إحساس بالخيبة والعزلة عندما وافق الرئيس الراحل أنور السادات على زيارة القدس المحتلة حيث عقد لقاءات رأى فيها الكثيرون إساءة لدماء الشهداء من أجل فلسطين. بعد ذلك اندفع ياسر عرفات إلى تأمين أوسع اعتراف دولى ممكن بمنظمة التحرير، حتى لو كان الثمن أن يعترف العديد من الدول الصديقة بالكيان الإسرائيلى (وهى قد كانت امتنعت عن الاعتراف بكيان العدو حرصا على الصداقة مع العرب، وبين هذه الدول الصين والهند وغيرهما من دول عدم الانحياز فى آسيا وافريقيا..).
وعندما توجه ملك الأردن الهاشمى حسين بن طلال نحو اتفاق الصلح مع العدو فى وادى عربة فى العام 1994 (تتويجا لاتفاقات سرية متعددة) باتت قيادة منظمة التحرير أكثر استعدادا للوصول إلى اتفاق مباشر مع العدو، وهو الاتفاق الذى يقول السيد محمود عباس أنه انجز عبر اتصالات هاتفية تواصلت لمدة سبع ساعات. 
قال أهل النظام العربى لشعب فلسطين: اذهب انت وربك فقاتلا، وانقادت منظمة التحرير، وهى فى وحدتها، إلى الشروط الإسرائيلية، فحولت الفدائيين إلى «شرطة» تحت قيادة الاحتلال وبإشرافه، ودخل ياسر عرفات إلى غزة ثم انتقل إلى الضفة وسط الزغاريد والهتاف ورصاص الهواء.
كان مستحيلا أن تتحول «السلطة» رهينة الاحتلال الإسرائيلى إلى دولة. فأرضها ماتزال محتلة جميعا، وجيش الاحتلال الإسرائيلى يستطيع أن يحاصر رئيس السلطة وأن يمنع عليه الحركة، وأن يعتقل من شاء وقتما شاء وفى أى مكان من الضفة (وقطاع غزة الذى منع على أهله التواصل البرى مع أشقائهم فى الضفة إلا عبر حواجزه وبإذن منه).
ــ3ــ
ولقد قتل الشعور الثقيل بالخيبة ومراراتها قائد الثورة الفلسطينية ورئيس سلطتها، والرجل الذى شغل العالم بحركته الدائبة ومناوراته وهربه من الاتفاقات الملزمة مع هذا الطرف العربى أو ذاك، بذريعة الحرص على قضيته المقدسة وإبعادها عن سوق النخاسة بالمناقصة والمزايدة. وهكذا «ورث» محمود عباس السلطة فى جو حزين، وقد ضعفت مؤسسة منظمة التحرير، ونقض القادة العرب تعهداتهم، واستفردت إسرائيل بـ «السلطة» فحاصرتها ومنعت عليها الحركة إلا فى أضيق الحدود، وشدت الحصار على «شرطتها» التى بلغت الضفة منهكة ومتشوقة إلى «السلطة» ولو على أهلها، وتباعدت غزة عن الضفة حتى «استقلت» عنها تماما بتحريض من التنظيم الدولى للإخوان المسلمين تحت الرعاية التركية وبتمويل من قطر. ربما لأن محاولة غزة تميز ذاتها عن الضفة، ونجاحها فى إقامة سور حماية، أو ما افترضته كذلك، زاد انفصالها عن الضفة، وتبدى وكأن الفلسطينيين القابعين جميعا تحت الاحتلال الإسرائيلى قد باتوا «رعايا» لسلطتين تنفصل إحداهما عن الأخرى إلى حد العداء. وأبسط الأدلة أن السلطة فى رام الله لم تحرك ساكنا اعتراضا أو تهديدا بالمواجهة بينما العدو الإسرائيلى يشن حروبه المتوالية على غزة المحاصرة برا وبحرا وجوا.
بعد ذلك ستنشغل الدول العربية بالحروب فيها وعليها: فى البدء كانت حرب صدام حسين على إيران بعد الثورة الإسلامية فيها، وهى قد استغرقت سبع سنوات كاملة، ولم يشفع لهذه الثورة أن شعاراتها كانت فلسطينية بعنوان القدس.
ــ4ــ
ثم كانت غزوة صدام الكويت التى انتهت بهزيمة الجيش العراقى ودخول القوات الأمريكية وبعض العراق محتلة، وقبل أن تقتحم عاصمته بغداد وتعتقل «صدام» ثم تسلمه إلى الشيعة العراقيين ليعدموه بطريقة مشينة، من شأنها أن تعمق بذور الفتنة التى زرعها الاحتلال الأمريكى بمساعدة بعض الأنظمة العربية.
ثم كانت الحرب الإسرائيلية على لبنان بعنوان «حزب الله» فى العام 2006، بعد ما كان مجاهدو هذا الحزب قد نجحوا فى إجبار الاحتلال الإسرائيلى على الجلاء عن أرض لبنان بعد مقاومة باسلة امتدت لأكثر من ثمانية عشرة عاما.
وكانت هذه الأحداث الخطيرة تدفع بالقضية الفلسطينية إلى الخلف، لا سيما وأن «سلطتها» التى لا تملك من السلطة إلا العلم وحرس الشرف، ويحتاج رئيسها إلى إذن إسرائيلى كلما اراد الخروج من عاصمة السلطة فى رام الله إلى أى مكان فى العالم.
لكن شعب فلسطين لم يهدأ ولم يستكن وبالطبع لم يستسلم. وهكذا توالت الانتفاضات فى مختلف مدن الضفة وقراها، كما توالت الحروب الإسرائيلية على غزة، وتعاظم القمع الإسرائيلى حتى تجرأت سلطاته على منع الصلاة فى المسجد الأقصى «الذى باركنا من حوله».
وفى الأيام الأخيرة شهد العالم على ثبات أهل فلسطين وصمودهم وتمسكهم بحقوقهم فى بلادهم، واكتسبت الصلاة فى الأقصى بعدا إضافيا رمزيا إذ هى تأكيد للصمود والتمسك بأرضهم ودينهم، خصوصا وقد شارك المسيحيون من الفلسطينيين أشقائهم المسلمين اعتصامهم فى المسجد الأقصى والدفاع عن حياضه باعتباره رمزا للإجماع الوطنى فضلا عن موقعه الدينى الذى يدانى القداسة.
مقابل هذا الارتفاع المجيد بالثبات الفلسطينى فى الأرض المقدسة والتضحيات الغوالى التى قدمها الفتية والصبايا فى هجماتهم على جيش الاحتلال، بالسكاكين (متى توفرت).
والحجارة، والمواجهة أمام سور المسجد الأقصى، ومحاولة اقتحام السور المكهرب، مقابل هذه كله استمر الصمت الرسمى العربى، وأدارت الأنظمة وجهها إلى الجهة الأخرى، خلا بعض التصريحات الرسمية الخالية من المعنى، ودعوة متأخرة وجهها الأمين العام لجامعة الدول العربية (الذى لم يعد لوظيفته أى معنى فى عصر الشقاق العربى حتى الاندثار) إلى عقد اجتماع للثرثرة، قد لا يشارك فيه أى مسئول عربى يمثل دولته.
وواضح أن كل دولة عربية مشغولة عن فلسطين بمشكلاتها التى تصل فى بعضها إلى حد الحرب (سوريا، العراق، اليمن)، وإلى بعضها الآخر إلى الانشغال بهمومها الثقيلة التى تهدد كياناتها السياسية.
لك الله يا فلسطين.. فليس لك إلا دمك!