عقيل الشيخ حسين
نسمع كل يوم عن أشخاص، بالعشرات وبالمئات، يرمون أنفسهم في البحر، سباحة أو في قارب معطوب، هرباً من ويلات الحروب. أو من الموت جوعاً في بلدانهم المنكوبة.
يفعلون ذلك أملاً بالوصول إلى شاطئ أمان في أوروبا، عموماَ. وقد يحصل لأعداد منهم أن يغرقوا أو أن يجدوا أنفسهم في ما يشبه معسكرات الاعتقال، إذا ما تيسر لهم الوصول إلى شاطئ الأمان.
ومع كل ما قد يسببه ذلك من حزن أو غضب عند أصحاب الضمائر الحية، فإن ذلك يظل بعيداً عن أن يقاس بما يمكن اعتباره واحدة من المآسي الكبرى التي تعيشها شعوب عديدة على ظهر هذا الكوكب.
ففي العام 2015، لم يقم حوالي 120 ألفاً من الروهينغا، المسلمين الذين يعيشون في المناطق الغربية من ماينمار (برمانيا، بورما، سابقاً)، بإلقاء أنفسهم في البحر هرباً من القتل وغيره من أشكال الاضطهاد.. لكن تم إلقاؤهم فيه من قبل السلطات الحاكمة في ذلك البلد.
وضعوهم في قوارب قطرت إلى عرض المحيط وتركت هناك لمصيرها. ثلاثة أرباع تلك القوارب لم تلبث أن غرقت بركابها. أما الربع الباقي فتمكن من الوصول بركابه إلى شواطئ لا تتوافر فيها أية صفة من صفات شواطئ الأمان.
ماليزيا، سنغافورة، تايلند، إندونيسيا. تلك هي البلدان التي وصلت إليها القوارب التي لم يكن مصيرها الغرق. لكن ركابها لم ينزلوا مطلقاً إلى الشواطئ، بل أجبروا على البقاء في المحيط، وعلى الابتعاد إلى ما وراء حدود المياه الإقليمية... وهناك اختفت آثارهم!
ذلكم فصل من فصول قصة الروهينغا في ماينمار. والفصول الأخرى لا تقل هولاً.
قبل كل شيء، أن يكون المرء من الروهينغا فذلك يعني أنه بلا وطن. فالسلطات الحاكمة لا تعترف بهم كمواطنين، بل تعتبرهم وافدين أجانب ولا يتمتعون بالتالي بأية حقوق. صحيح أن كثيرين منهم هم من أصول بنغالية أو هندية، لكنهم لا يشذون في ذلك عن غيرهم من سكان البلاد. فالحقيقة أن أسلاف سكان ماينمار، شأنهم شأن الروهينغا، وأكثر من 200 إتنية تتعايش في البلاد، قدموا خلال القرون المنصرمة من الصين والتيبت وآسيا الوسطى..
لا يحق للروهينغا أن يمتلكوا الأراضي. وأملاكهم الأخرى تتعرض دائماً للمصادرة، وبيوتهم للتدمير (كما في القدس وسائر الضفة الغربية). ويتم إخضاعهم لأعمال السخرة. أما محاصيلهم فلا يسمح لهم ببيعها إلا للجيش وبأسعار زهيدة. كما يتم بين الحين والآخر إلغاء العملات المتبادلة دون سابق إنذار ودون أية تعويضات لسبب واضح هو إفقار المسلمين وإجبارهم على الرحيل.
ويجبرونهم دائماًعلى النزوح نحو المناطق الغربية المجدبة. كما يمنعون أسرهم من إنجاب أكثر من طفلين، فضلاً عن محاولة منعهم من الزواج من خلال فرض ضرائب باهظة على المتزوجين وطالبي الزواج. أما أبناؤهم فمحرومون عملياً من التعليم بسبب العراقيل التي تحول بينهم وبين الذهاب إلى المدارس. تعليمهم الوحيد هو تعليم ديني متواضع يتلقونه في الكتاتيب.
ولا يمر يوم دون أن ترتكب بحقهم المجازر حيث يقتلون بالآلاف. أما بدء أعمال الاضطهاد التي تعرض لها الروهينغا في ميانمار فتعود إلى القرن السادس عشر. فقد منعتهم السلطات الحاكمة من ذبح المواشي والاحتفال بعيد الأضحى، وقتلت أعداداً كبيرة منهم بعد رفضهم تناول لحم الخنزير.
ومنذ العام 1983، منع المسلمون من إطلاق اللحى ومن التزيي بالزي الإسلامي. كما منعت الصلوات في المساجد، وتم حظر مكبرات الصوت التي تطلق الأذان للصلاة، إضافة إلى تحويل الكثير من المقابر إلى حظائر للخنازير أو إلى مراحيض عمومية.
وتوالت أعمال الاضطهاد بمناسبة وغير مناسبة. ومنها تلك التي حدثت عام 2001، في أعقاب قيام طالبان بتدمير تماثيل بوذا في أفغانستان. فقد عمد رهبان بوذيون في ميانمار إلى الرد بتدمير أحد المساجد. وخلال مدة قصيرة، دمرت عشرات المساجد وأقفلت المساجد بأجمعها في جميع المناطق التي يسكنها المسلمون. كما قتل وجرح المئات من المسلمين، ومنهم من تم ضربهم حتى الموت في الشوارع. وكانت السلطات تنبه المسلمين وتحذرهم من الرد كوسيلة لمنع استمرار الهجمات عليهم من قبل البوذيين.
الوسيلة الوحيدة المتبقية لدى المسلمين في ميانمار (وهم من أهل السنة) هي الرحيل. إلى مخيمات ضخمة تمتد على كامل الحدود بين ميانمار والبلدان المجاورة. أو إلى بلدان كالسعودية التي هاجر إليها حوالي نصف مليون من الروهينغا. ومثل هذا العدد هاجر إلى أفغانستان، وأعداد أقل وصلت إلى بلدان المنطقة الأخرى، في وقت بدأ المهاجرون الروهينغا يتعرضون للمضايقات في البلدان المضيفة التي لا تسمح أوضاعها الاقتصادية بتقديم المعونة لهم.
الروهينغا، بحسب الأمم المتحدة، هم أكثر الشعوب تعرضاً للاضطهاد في العالم.