2025-05-23 06:42 م

فرنسا بين سورية ومالي

2013-01-17
ليس مطلوباً من كلّ شخص أن يكون محلّلاً سياسيّاً أو فيلسوفاً أو خبيراً في علم الاجتماع حتى يستحقّ أن يكون إنساناً مفكّراً، ذلك لأنّ التفكير هو الخاصية التي تميّز بها الإنسان، أو هكذا يقول العلماء المختصّون. من هذه البداية نقول أنّ الإنسان المدرك سوف يصاب بالخيبة والإحباط من ورثة «الثورة الفرنسية» التي أطاحت الطغيان، وأسّست لمبادئ الحرّية والإخاء والمساواة في العالم، حتى وصل الأمر بسياسيّين وقادة ثوريين كثر أن اعتبروا الثورة الفرنسية بداية تحرّر الإنسان في العصر الحديث. ورثة الثورة الفرنسية في فرنسا الحديثة، لا يعرفون شيئاً عن الثورة الفرنسية كما عرفناها ودرسنا بعض تاريخها في مدارسنا الابتدائية.

الحرّية لا تتجزّأ، لا تعرف ليلاً ونهاراً، لأنّها لا تعرف أبيض وأسود. المفاهيم التي آمنت بها الثورة الفرنسية لا تحمل التأويل، فكيف لحاكم فرنسيّ أن يفسّرها ويأوّلها ويترجمها كما يفعل الرئيس هولاند في معالجة الوضع في دولة مالي الأفريقية بغير ما يترجمها بالنسبة إلى الوضع في سورية؟

لماذا ترسل قوّات فرنسية مسلّحة لمحاربة المسلّحين الإرهابيّين في مالي مسانِدةً نظام الحكم هناك، بينما ترسل الأسلحة والأموال والمساعدات إلى المسلّحين في سورية ضدّ النظام؟! الصحف في العالم كلّه بدأت تشير إلى أنّ الحركات الأصولية هي واحدة في مالي وفي سورية. ليس مهمّاً أن تكون تحت قيادة واحدة، بل يكفي أن تكون بفعل تيّار سلفيّ مخرّب يحمل العقليّة نفسها.

رئيس دولة مالي طلب النجدة من فرنسا، فهبّ هولاند لتلبية النداء، أرسل القوّات المسلّحة إلى مالي لمحاربة المتمرّدين على النظام. ورئيس سورية أيضاً طلب النجدة ولكن بشكل آخر: لا تعرّضوا جنودكم ومواطنيكم للموت دفاعاً عن النظام كما تفعلون في مالي، بل، فقط، أوقفوا تدفّق السلاح والمسلّحين إلى سورية، أوقفوا إخراج من تسمّونهم إرهابيّين من سجونكم، أوقفوا تسهيل نقلهم إلى تركيا ومنها إلى الداخل السوريّ. فبأيّ المقاييس يمكن لنا أن نقيس عدالتكم وحبّكم الحرّية؟! هل نستشهد بالشعر القديم، أو بالتاريخ الحديث الحافل بمواقف فرنسية مماثلة إبان الاستعمار الفرنسي في الشام ولبنان؟ !

صحف بريطانية وفرنسية وأميركية، عدا وسائل الإعلام المحايدة في العالم، تقول أنّ هذه التنظيمات السلفيّة المسلّحة ـ تحت مختلف التسميات ـ هي واحدة، من نتاج عقل «القاعدة»، و«القاعدة» ليست تنظيماً بدأ به بن لادن أو أشرف عليه، بل هو تنظيم عالميّ خلقته وساندته وتوجّهه مخابرات يمكن أن تكون «مخابرات عابرة للقارات» إن صحّ التعبير، غايتها خلق فوضى عالمية تحقيقاً لحلم أو كابوس لا نعرف عنه شيئاً.

الفكر السلفيّ ـ بمعناه التطبيقيّ لا الدينيّ الصرف - هو هو، إن كان في مالي أو سورية، في باكستان أو تونس، في العراق أو اليمن أو حتى في جزر الفليبين.. فكيف نفسّر موقف فرنسا في محاربة هذا الشكل من السلفيّة في مالي ومساندته ـ بالوجه نفسه ـ  في سورية؟ هذا لا علاقة له بثورة ولا بحرّية وإخاء ومساواة، بل بمصالح سياسيّة واقتصاديّة في الدرجة الأولى، هذا إن أردنا فهم الموقف الفرنسيّ هنا وهناك وتفسيره، هو نفسه: موقف الاهتمام بالمصالح، ما يجعل فرنسا ـ عبر هذا الوزير أو ذاك ـ تماطل في عملية إطلاق سراح المناضل جورج عبد الله وتعرقلها، بحجّة أو بأخرى. المصلحة هنا هي تشابك مصالح مع المخابرات الأميركيّة، إذ أضحى معروفاً أنّ احتجاز جورج عبد الله خاضع لأوامر المخابرات، لا لمفهوم عدالة أو حرّية، ولا لقانون أو تشريع مهما كان.

الموقف الفرنسيّ يوجب على كلّ مواطن في هذه المنطقة من العالم، إن سمّيناها الشرق الأوسط أو بلاد العرب، سورية أو لبنان، العراق أو الأردن، أن يرى في المصلحة الفرنسيّة التي تتخطّى مبادئ العدالة أو الحرية كافة. وحين نستخدم عقولنا لنرى الحقائق، يمكن حينئذ أن تتوضّح لنا أمور كثيرة تعيدنا إلى جادة الصواب، لنعرف أهمية أن ننظر نحن أيضاً إلى مصالحنا وإلى مصلحة وطننا في الدرجة الأولى، فلا تخدعنا الشعارات عن الحرّية، لنقول لرافعي هذه الشعارات أين هي من حرّية جورج عبد الله؟ وأين هي من حرّية الشعب السوريّ، ومن حرّية شعب أو شعوب دولة مالى الأفريقية؟

لقد كفرنا بعدالتكم، فكفّوا عن ترديد شعارات الحرّية والعدالة.

الكاتب سليم سعدو سالم – البناء