الاجابة على هذه التساؤلات تشاهدها امريكا كل يوم في مراكز المدن المصرية والتونسية والليبية، ويبدو أن ما شهدته هذه العواصم والمدن من تغيرات لا تزال غير مكتملة ومستمرة وتتفاعل نحو مجهول في ظل عدم القدرة والعجز التام من جانب الاسلاميين على استيعاب حقيقة وجوهر قواعد ادارة الدولة المدنية، فتلك القوى التي قدمت لها امريكا الدعم غير المحدود وبوصفها لها انها الاكثر تنظيما وقدرة على اعادة الامساك بخيوط الحكم، تفقد يوما بعد يوم قدرتها على التفاعل مع القوى الاخرى التي تختلف معها بالهوية.
ورغم الارشاد والتوجيه والدعم الامريكي لتلك القوى الاسلامية، الا أن الاخطاء التي ترتكب من جانبها وبشكل يومي تجعل الولايات المتحدة متخوفة من أن تنهار الاسس الجديدة للحكم في تلك البلدان تحت ضغوط الشارع، حيث مرافق الاقتصاد والحياة في مصر وتونس في حالة هبوط وتراجع، وهناك فراغ أمني تعاني منه هذه الدول، مع عدم وجود وتوفر قدرة على القيادة في البلدان المذكوة على وقف هذا الانحدار.
الاسبوع الماضي، عقدت جلسة نقاش وبحث خاصة لمتابعة ما يجري في الساحة المصرية، واستنادا الى مصادر واسعة الاطلاع عقدت هذه الجلسة في دائرة شؤون الشرق الاوسط بوزارة الخارجية الامريكية، وشارك فيها عدد من الدبلوماسيين والخبراء وممثلين عن مجلس الامن القومي، ومسؤولين عن الاجهزة الاستخبارية الامريكية، المجتمعون ناقشوا في هذه الجلسة ايضا تقارير حول ما يجري في مصر وبعض الدول الاخرى، هذه التقارير التي بعثت بها لواشنطن البعثات الدبلوماسية الامريكية ومحطات الاجهزة الاستخبارية في الدول موضوع البحث والنقاش، تفيد بأن حالة الانتقال الى مرحلة الاستقرار في مصر وتونس وغيرهما قد طالت، وأن هناك مخاوف حقيقية من انهيار مشروع الحكم الاسلامي المعتدل المدعوم والمحتضن امريكيا في العالم العربي، وهذا المشروع الامريكي اساس لتحالف امريكي اوروبي خليجي اضافة الى تركيا، مع الدول التي يدعم فيها الاسلام السياسي المعتدل، لمواجهة كل تطرف نابع من دوافع دينية في المنطقة.
الدوائر المطلعة كشفت لـ (المنـــار) أن الاجتماع الموسع الذي شهدته دائرة الشرق الاوسط في وزارة الخارجية الامريكية خرج بمواقف متباينة حول ماهية وشكل التدخل الامريكي لانقاذ الموقف ومساعدة الحلفاء الجدد، وبعض المشاركين رأى أن على الولايات المتحدة أن تبقى في الظل وخلف الستار داعمة للقوى الاسلامية في مواجهة غضب الشارع لأن النتيجة قد تكون عكسية، وتتأثر سلبا صورة امريكا، كما دعا المجتمعون واشنطن الى التروي لأن النظام الاسلامي السياسي ما زال في مرحلة استيعاب اللعبة الديمقراطية ومرحلة التشكل، وهو بحاجة الى مزيد من الارشاد والنصح والرعاية.