أليف صباغ
يبدأ نفتالي بينيت، رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي الجديد، زيارته الأولى للبيت الأبيض، بدعوة من الرئيس بايدن، حيث يفترض أن يجمعهما لقاء يوم غد الخميس، يشارك فيه عدداً من المسؤولين الأميركيين. ويعطي البيت الأبيض هذه الزيارة أهمية استراتيجية خاصة، نظراً إلى الرؤية الاستراتيجية الجديدة للولايات المتحدة في صراعاتها الدولية الكبرى، على حساب الصراعات الإقليمية بصورة عامة، وفي الشرق الأوسط بالذات، والتي تخوضها أميركا من أجل "إسرائيل". كما تنبع أهميتها من العلاقة التحالفية الاستراتيجية للولايات المتحدة بـ"إسرائيل"، بعيداً عن محاولات بنيامين نتنياهو فرضَ الأجندة الإسرائيلية، وأجندته الخاصة، على البيت الأبيض. لذلك، كان لا بدّ من لقاءات تمهيدية بين رئيس الـ CIA، وليام بيرنز، ونفتالي بينيت شخصياً، بالإضافة إلى وزير الخارجية يائير لابيد، للبحث في مجمل الملفات الإقليمية والدولية، وعلى رأسها الملف النووي الإيراني.
تمهيداً لهذه الزيارة أيضاً، اجتمع مستشار الأمن القومي الإسرائيلي، إيال حولتا، بنظيره الأميركي، جاك سوليفان، بداية هذا الشهر، للبحث في العلاقة الاستراتيجية بين البلدين. قبل ذلك، كان قائد أركان جيش الاحتلال الإسرائيلي، أفيف كوخافي، زار الولايات المتحدة، رافقته في زيارته مجموعة من الاستراتيجيين الإسرائيليين، ووضعوا مع نظرائهم الأميركيين تصورات مستقبلية للعلاقة بين الجيشين، ودور "الجيش" الإسرائيلي على المستوى الإقليمي وعلاقاته، برعاية أميركية.
ثلاثة ملفات أساسية في جدول الأعمال، أهمّها الملف النووي الإيراني، الذي يُقلق "إسرائيل"، بالإضافة إلى العلاقات الصينية - الإسرائيلية التي تُقلق واشنطن، والملف الفلسطيني ودور مصر في إدارته.
قد يبدو أن الملف اللبناني ـ السوري غير مُدرَج في جدول الأعمال، لكنه، في الحقيقة، مركّب أساسي في الملف النووي الإيراني، كما تراه "إسرائيل". ولا شك في أن المحادثات ستتناول التحديات التي ستواجهها "إسرائيل" مع انسحاب القوات الأميركية بالتدريج من الشرق الأوسط، وارتباط ذلك بالعلاقات الإسرائيلية بمحور المطبّعين العرب.
في موضوع العلاقة الإسرائيلية الصينية، عبّرت الولايات المتحدة، عَبْرَ رئيسيها، السابق ترامب والحالي بايدن، عن قلقها من استمرار هذه العلاقة، ولاسيما أنها لم تسمح بمثل هذه العلاقات بين الصين والأنظمة العربية التابعة لها في الشرق الأوسط، وهذه الدول ملتزمة ذلك. أمّا حكومة "إسرائيل" السابقة، برئاسة نتنياهو، فأدارت ظهرها للمطلب الأميركي. ويبدو أن بينيت لن يستجيب أيضاً لمطلب بايدن على نحو تلقائي، بل يبقى الموضوع على طاولة الحوار المستقبلي بين مجلس الأمن القومي الأميركي وطاقم الأمن القومي الإسرائيلي.
في الملف الفلسطيني، يُجْري رئيس المخابرات المصرية مشاورات مكثّفة مع الجانب الإسرائيلي، حتى يُسمح لمصر بأن تقوم بدور وظيفي ترضى عنه الولايات المتحدة، وهو ما تطمح إليه مصر منذ عقود؛ أي القيام بدور وظيفي لخدمة مصالح الولايات المتحدة واستراتيجيتها. وإذا كان طموح حسني مبارك، في الماضي، أن تكون مصر بديلاً عن "إسرائيل" في تحقيق الاستراتيجية الأميركية، فتكتفي مصر اليوم، برئاسة السيسي، بأن تقوم بدور وظيفي بالتنسيق مع "إسرائيل".
الملف الإيراني هو الأهم
يُجمع المعلّقون والقيادة السياسية في "إسرائيل" على أن الملف الإيراني هو الأساس في هذا اللقاء. فعشية سفر بينيت، صرّح مسؤول كبير ومقرّب إليه لصحيفة "معاريف"، وقال إن الأميركيين، "بالرغم من انشغالهم المكثَّف بالانسحاب من أفغانستان، فإن البيت الأبيض يضع هذا اللقاء في رأس جدول أعماله". وأضاف المصدر أن "اللقاء مهم لإسرائيل أيضاً في هذا الوقت بالذات، بسبب الملف النووي الإيراني، على الرغم من التحديات الخارجية". وأكد أن "الهدف، لدى الطرفين، هو أن يكون اللقاء جيداً، ويعبّر عن العلاقات الدافئة بين إسرائيل والولايات المتحدة. وسوف تحاول إسرائيل أن تُضْفي على هذه العلاقة لغةَ الحوار والإصغاء".
المصدر المقرّب إلى بينيت انتقد بنيامين نتنياهو، واتَّهمه بتوريث الحكومة الجديدة "معضلةً كبرى"، مع تقدُّم إيران كثيراً في برنامجها النووي. وقال "في حين بدا لنا، في بداية التحضير لهذا اللقاء، أن العودة إلى الاتفاق النوويّ أصبحت مؤكَّدة، إلاّ أن ذلك لم يحدث. وخلال هذه الفترة، حدث تغيير في إيران عبر انتخاب رئيس جديد. لذلك، قد لا تحدث عودة إلى الاتفاق النووي. ومع ذلك، يمكن أن يجري الأمر في اللحظة الأخيرة بسبب الضغط الإيراني المعتاد".
تنقل "معاريف" عن المصدر المقرَّب إلى نفتالي بينيت، قوله "إن إسرائيل لا ترى قيمة خاصة في العودة إلى الاتفاق النووي، لأنه يستجيب لمركّبات أقل مما استجاب الاتفاق لها عام 2015". ويضيف "أن العودة إلى الاتفاق النووي، وإن أُغلقَ نصف الثقب المتمثل بتخصيب اليورانيوم، هي عودة خاطئة، لأن رفع العقوبات سيوفّر للإيرانيين مواردَ مالية كبيرة تنقصهم لفرض مزيد من النفوذ في الإقليم، كما حدث في عام 2015".
وفق المعادلة نفسها، يقول براك رافيد في موقع "والّا"، يوم 24/8/2021، على لسان مصدر حكومي تحدّث إلى الصحافيين عشية سفر بينيت إلى واشنطن، "إن بينيت سيعرض أمام الرئيس بايدن، خلال جلستهما، خطة سياسية - استراتيجية جديدة في الموضوع الإيراني، مغايرة لتلك التي تمسّك بها نتنياهو". وهذا يعني أن الخطة التي يحملها بينيت تفترض ألاّ تعود الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي. "الخطوة الصحيحة، كما ينقل المصدر المقرّب عن بينيت، هي أن يتم النظر إلى هذا التحدّي بصورة شاملة. ماذا تستطيع إسرائيل والولايات المتحدة ولاعبون آخرون في المنطقة العمل للتصدي لإيران. إنها فرصة".
وكان براك رفيد، المراسل العسكري لموقع والّا، كتب يوم 12/8، معتمداً على مصادر مطّلعة على مضمون اللقاء، بين وليم بيرنز، رئيس "السي آي أيه"، ونفتالي بينيت، فقال نقلاً عن بيرنز، إن "على الولايات المتحدة وإسرائيل بلورة استراتيجية مشتركة في حال عدم العودة إلى الاتفاق النووي". وهذا، كما يبدو، ما التقطه بينيت، ففهم أن العودة إلى الاتفاق النووي ليست أمراً محسوماً، كما ظن سابقاً.
يُذكَر أن معهد أبحاث الأمن القومي في "إسرائيل"، قدّم تقريره الأخير إلى رئيس الكيان حاييم هرتسوغ في نهاية تموز/يوليو2021 ، وهو يوصي أيضاً بـ"أن تستمرّ إسرائيل في مواجهة إيران إقليمياً من خلال المعارك بين الحروب. ومع استمرار حالة عدم وضوح المستقبل مع إيران، يتوجب على إسرائيل الاستعداد لعدة سيناريوهات، بالتعاون القوي مع الولايات المتحدة، ومنها إمكان وصول إيران إلى حافة امتلاك النووي، أو امتلاكه. عندها يتطلّب الأمر عملاً عسكرياً إسرائيلياً مضمون النتائج".
من هنا، نفهم أن "إسرائيل" أمام خِيارين استراتيجيَّين: الأول أن تعمل في مقابل الولايات المتحدة لمنعها من العودة إلى الاتفاق النووي بثمن تخصيب إيران لليورانيوم إلى مستويات عالية للوصول إلى حافة امتلاك السلاح النووي، أو التراخي في الموقف والعودة إلى الاتفاق، ومنع إيران من تخصيب اليورانيوم إلى درجة تزيد على 3.67%، في مقابل رفع العقوبات عنها وإعادة المستحقات المالية إليها، والسماح لها بالتطور، تكنولوجياً وعلمياً واقتصادياً. ونفهم أيضاً أنها تفضّل الخيار الأول.
قد يبدو هذا غير منطقي، ويتناقض مع كل ما صرّحت به الولايات المتحدة و"إسرائيل" والدول الأوروبية. وبناءً عليه، تم توقيع الاتفاق النووي عام 2015. في الحقيقة، يشكّل هذا الخيار فضيحة للموقف الإسرائيلي غير المعلن. ويفضح كل الخطاب الإعلامي التضليلي الذي تقوم عليه الحملات الدبلوماسية الإسرائيلية، لكنه ينسجم مع الاستراتيجية الإقليمية الأساسية للحركة الصهيونية، والتي عبّر عنها جابوتنسكي في مقالته الشهيرة "الجدار الحديدي". وتجسّد الأُسس التي وضعتها الدول الاستعمارية لإقامة "دولة اليهود" في فلسطين، لتكون القوة الاستعمارية المهيمنة في الشرق الأوسط، في مؤتمر كامبل بنرمان، في الفترة 1905-1907، في لندن.
عام 2009، بيّنت دراسة إسرائيلية، أعدّها د. يهوشوع سوكول، بالتعاون مع مجموعة من المتخصّصين بالعلوم النووية في معهد التخنيون، تحت عنوان "التهديد النووي بنظرة عملية"، حقيقةَ الخطر النووي ومحدوديته. يفنّد الباحث فيها حقيقة الخطر من امتلاك إيران سلاحاً نووياً يمكن استخدامه ضد "إسرائيل". كما يفنّد التضخيم في خطورة السلاح النووي مقارنة بالأسلحة الأخرى، ومنها الصواريخ والقنابل التي تُسقَط من الطائرات.
ينقل سوكول، في مقدِّمة دراسته، عن كرسون كيرني، مستشار الحكومة الأميركية للشؤون النووية، قوله: "عندما قام هتلر بقصف لندن في المرة الأولى، تسبّب الذعر بتكبُّد البريطانيين ضحايا أكثر من القنبلة نفسها. وعندما تحرَّر سكان لندن من حالة الذعر المبالَغ فيها عادوا إلى حياتهم الطبيعية". ويضيف سوكول "هذا ما يمكن أن يحدث في حالة هجوم إرهابي على إسرائيل".
ويخلص الباحثون إلى استنتاجاتهم الخاصة في نهاية الدراسة، فيقولون "بالرغم من القوة التدميرية غير المسبوقة للقنبلة النووية، فإنها محدودة. إن مخاوف الناس من تداعيات الحرب النووية هي مخاوف مبالَغ فيها كثيراً. إن الفهم الحقيقي لهذه التداعيات مهمّ جداً لإدارة صحيحة لموارد الطوارئ، وللمحافظة على الأمة".
من هنا، يمكن القول إن الحملة التي تشنّها "إسرائيل" والدوائر الأميركية الداعمة لها، دبلوماسياً وإعلامياً، لا تستهدف امتلاك إيران السلاحَ النووي، وإنما تستهدف امتلاك إيران مقدِّراتها المادية والبشرية الكبيرة، وبالتالي منافسة "إسرائيل" في التطور، علمياً وتكنولوجياً، في الشرق الأوسط.
أمّا في حالة امتلاك ايران السلاحَ النووي، أو أن تكون على حافة ذلك، فهذه "فرصة"، كما يقول نفتالي بينيت؛ فرصة في تجنيد أميركا والأنظمة الخليجية التابعة لها وغيرها للقيام بعمل عسكري كبير ضد إيران، بغطاء دولي، يتبعه عمل دولي، سياسياً ودبلوماسياً، من خلال مجلس الأمن، وهيئات دولية أُخرى، يزيد في عزلة إيران ومحاصرتها وحرمانها من مقدِّراتها المادية والبشرية.
إنها "فرصة"، يقول نفتالي بينيت. وعلى هذا يبني استراتيجيته في الملف الإيراني، والتي يقدّمها إلى الرئيس بايدن. في المقابل، هي فرصة لإيران ولكل الشعوب في المنطقة، في أن تطرح على جدول الأعمال الدولي مخاطرَ السلاح النووي الإسرائيلي، والمقدّر بـ 200 رأس نووي، والمطالبة بنزعه، في مقابل منع إيران من امتلاكه. فهل تفعل إيران أو محور المقاومة ذلك؟
الميادين نت