لكن، هذه السياسة، تتناقض مع تقارير سرية أعدتها أجهزة الامن الاسرائيلية المحذرة من اندلاع انتفاضة في المناطق الفلسطينية، فخلال السنوات القليلة الماضية، وبالتحديد منذ صعود حكومة نتنياهو الى الحكم في اسرائيل ودخول عملية السلام نفق الجمود، تستمر حالة الغليان في المناطق الفلسطينية، وعلى الرغم من حالة التصاعد والتراجع في الاحتجاجات الشعبية التي تشهدها الضفة الغربية، ووصولها في بعض الاحيان الى مراحل متقدمة خطيرة جدا، حرص المسؤولون الاسرائيليون على الظهور أمام وسائل الاعلام مشككين بقدرة الفلسطينيين على اشعال انتفاضة ثالثة، وهذه كما ذكرنا سياسة اسرائيلية متبعة لها أهدافها النفسية.
هذه السياسة التي تترافق مع انفراجات اقتصادية أحيانا، وتضييف اقتصادي أحيانا اخرى، لا تستطيع الصمود طويلا، باعتراف الدوائر الاستخبارية الاسرائيلية نفسها، في ظل متغيرات في المناطق الفلسطينية، والاحداث الاخيرة التي شهدتها مدن الضفة على خلفية ما يتعرض له الأسرى الفلسطينيون في السجون الاسرائيليون، يعكس أسباب المخاوف لدى الدوائر المشككة بالقدرة على ابقاء قتيل الانفجار مدفونا لفترة طويلة. وتعترف الدوائر الاستخبارية أن المشاركة الشعبية الواسعة وانتقالها من منطقة الى اخرى خلال احتجاجات على خلفية استشهاد أسيرين فلسطينيين، جعل مسألة اندلاع انتفاضة ثالثة تقترب كثيرا من أذهان الاسرائيليين على الرغم من محاولات التشكيك والمضي في سياسة قتل الشعور النضالي حسب السياسة المعدة اسرائيليا.
لقد حرص رئيس الاركان الاسرائيلي في أكثر من مناسبة على السير ضمن المسار المرسوم المشكك بقدرة الفلسطينيين على قيادة انتفاضة ثالثة، الا أن "بيني غانتس" نفسه مطلع على التقارير التي تحذر من أية احتكاكات أو حوادث تؤدي الى اشعال المناطق الفلسطينية، فتدخله هو شخصيا، ومتابعة رئيس الوزراء الاسرائيلي لقضية سامر العيساوي دليل يؤكد على حجم المخاوف التي يعيشها قادة اسرائيل من امكانية اندلاع انتفاضة ثالثة، تكون أصعب من سابقتيها.
لقد عملت العديد من مراكز البحث الاسرائيلية المتخصصة في الشؤون الفلسطينية الى التشكيك بتلهف الفلسطينيين لخوض انتفاضة ثالثة، في ضوء حالة الجمود السياسي، واستمرار السياسة الاسرائيلية بشقيها الاستيطاني والقمعي، وأدعت تقارير هذه المراكز أن الفلسطينيين يعيشون حالة ارهاق من نتائج الانتفاضتين الاولى والثانية ، وبأنهم لم يحققوا شيئا من هاتين الانتفاضتين، وأن الحلول الأفضل هي تلك الحلول المبنية على التعاون المشترك وتلك التي تخرج عن قاعات التفاوض. لقد أقدمت القيادة الفلسطينية على خطوة انتفاضية بشكل آخر، انتفاضة سياسية هي الاخرى تسببت باضرار كبيرة لاسرائيل، عندما انتزعت القيادة قرار الاعتراف بالدولة الفلسطينية من الامم المتحدة، حيث لم يأبه الرئيس الفلسطيني محمود عباس للتهديدات التي مورست عليه من أطراف وجهات عديدة، ومن بينها عواصم عربية، وهي تهديدات شبيهة بتلك التي تطلقها اسرائيل، كالتخويف والترهيب والتهديد بالحصار الاقتصادي وانهيار الامان وفقدان المكتسبات التي تحققت في حال العودة الى اشعال الشارع بانتفاضة ثالثة.
ان الدوائر الاسرائيلية السياسية منها والعسكرية والامنية تدرك أن في الافق تلوح امكانية اندلاع انتفاضة جديدة، ومن هنا، تحذر الدوائر الاستخبارية مما هو قادم، فهناك اشارات دالة على ذلك، ومنها تصاعد مشاركة جيل جديد من الفلسطينيين في أعمال ضد الاحتلال الذي يصفها "الاخلال بالنظام" اضافة الى حالات المشاركة الواسعة في الاحتجاجات الشعبية التي تندلع على خلفيات مختلفة.
لقد بدأت اسرائيل بالفعل اعتماد توصيات الاجهزة الاستخبارية التي تجمع على أن هناك فرصة كبيرة لامكانية اندلاع انتفاضة فلسطينية ثالثة، وسوف يتجاوز الفلسطينيون حالات التشكيك والترهيب وكسر حاجز الرعب، وتصوير الاسرائيليين للانتفاضة على انه مخلوق غريب عن الفلسطينيين، ومن بين التوصيات التي خرجت بها الدوائر المعنية لمواجهة احتمال اندلاع انتفاضة جديدة، القيام باجراءات لتسهيل حياة المواطنين في الفلسطينيين في مختلف المجالات والموافقة على العديد من المشاريع التي يمكن أن تحقق عائدا للفلسطينيين، ومراقبة الاجراءات العسكرية المتبعة على الحواجز العسكرية، والتخفيف قدر الامكان من اجراءات عبور الفلسطينيين وتنقلهم، بالاضافة الى وضع الاسس المناسبة لحل الازمات والاحتكاكات التي تتسبب بها قضية الاسرى الفلسطينيين في السجون الاسرائيلية.
وتوصي الدوائر الاستخبارية الاسرائيلية بضرورة منع أية اجراءات يمكن أن تؤدي الى اشتعال الاوضاع في الضفة الغربية، وبشكل خاص العمل على متابعة وتتبع الخلايا اليهودية المتطرفة التي تواصل اعتداءاتها على القرى الفلسطينية.