2025-05-25 12:15 ص

ما هي أبعاد الحملة المسعورة ضد السلطة الفلسطينية ورئيسها؟!

2012-09-22
فجأة ومن دون مقدمات أو أسباب موضوعية يواصل وزيرة خارجية اسرائيل افيغدور ليبرمان حملة تحريض دولية غير مسبوقة ضد الرئيس الفلسطيني محمود عباس، داعيا الى اقصائه عن الواجهة السياسية وعن التأثير والفعل، تحت ذريعة انه "صار يشكل عقبة في طريق السلام".
حملة ليبرمان التحريضية تصاعدت عندما بعث برسالة الى أعضاء اللجنة الرباعية الدولية المعنية بالوضع الاسرائيلي ـ الفلسطيني، يحرضهم فيها على التخلص من الرئيس عباس، ومقترحا خطوة عينية في هذا السبيل، تقضي باجراء انتخابات جديدة في اراضي السلطة الفلسطينية.
واللافت أن ليبرمان لم يتهم الرئيس الفلسطيني بالضلوع في ممارسة اعمال ارهابية ضد اسرائيل، لكنه يؤكد أن عباس يتحرك ضد اسرائيل بوسائل دبلوماسية، ويسهب رئيس الدبلوماسية الاسرائيلية المعروف بعدائه وتعصبه ضد الفلسطينيين في تعداد "مساوىء" عباس وسلطته، واصفا حكومته بأنها حكومة مستبدة يطاولها الفساد ، معتبر أن "مكانة عباس الضعيفة وسياسته تفضيان الى عدم استئناف المفاوضات، وهذا بحد ذاته عقبة في وجه السلام"، ويمضي ليبرمان أبعد من ذلك عندما يؤكد في رسالته أن "عباس ليس معنيا وليس قادرا على التقدم في عملية السلام بسبب مكانته السياسية الضعيفة والتغييرات في الدول العربية".
واللافت أن ليبرمان لم يكتف في معرض تحريضه ضد عباس بما ورد في تلك الرسالة التي نشرت مضمونها صحيفة "هآرتس" اذ بعدها بأيام قليلة تنشر الصحيفة نفسها مقابلة مطولة مع ليبرمان يدعو فيها حكومته الى اتخاذ قرار رسمي بتوجيه تحذير نهائي لعباس، فحواه بأنه في حال لم يعد عباس الى طاولة المفاوضات مع اسرائيل، ويواصل مساعيه أحادية الجانب لنيل اعتراف الامم المتحدة بفلسطين دولة مستقلة فان اسرائيل ستكف عن التعاطي معه كشريك شرعي للمفاوضات السياسية.
وهذا الواقع يوحي بما لا يدع مجالا للشك بأن زعيم حزب "اسرائيل بيتنا" المعروف بتطرفه شرع في حملة مضادة لعباس لن تنتهي قريبا، وأنها ستكون متوالية الفصول الى أن تبلغ درجة تجريد المواجهة بين اسرائيل والجانب الفلسطيني.
وبالطبع لم يكن تصرف ليبرمان الجديد يخلو من نوايا وأهداف مبيتة، فالامر ليس "هوجة" اعلامية وفق ما اعتاد المراقبون رؤيته، من هذا الرجل بالذات الذي صعد الى رأس هرم السلطة والسياسة والمشهد السياسي في اسرائيل من خلال توسله هذا الاسلوب وهذا النهج التحريضي المتطرف. وعليه فان العارفين بالشأن الفلسطيني ـ الاسرائيلي يقفون مليا في عملية بحث وتقصي عن الغايات العميقة لهذه السياسة الاسرائيلية المستجدة والتي شرع بها ليبرمان، لذا فان هؤلاء يستنجون التالي وفق ما نشرته مجلة "الاسبوع العربي" اللبنانية:
على رغم أن رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو نفض يديه من "رسالة" وزير خارجيته ليبرمان الى اللجنة الرباعية، فان ما بداه ليبرمان سيصر من الان فصاعدا عبارة عن نهج عدواني للسياسة الاسرائيلية اتجاه الموضوع الفلسطيني واتجاه الموقف الفلسطيني عموما ـ لا سيما وأن موقف نتنياهو حيال سلوك ليبرمان لم يكن على درجة عالية من الجدية يمكن الاعتداد بها، بل كان عبارة عن توزيع أدوار ليس الا.
ان التطرف الذي يمثله ليبرمان ضد تمثيل بات السمة الاساسية للسياسة الاسرائيلية وللمزاج الاسرائيلي العام منذ زمن بعيد، فليس خافيا على اي من الفلسطينيين وعلى اي من المهتمين بالشأن الفلسطيني أن ليبرمان وحزبه، كانا في يوم من الايام منسيين في الخارطة السياسية الاسرائيلية، فاذا بهما يصيران في الطليعة والاقوى في اسرائيل بفضل سياسة ليبرمان المتشددة وممارسته العدوانية ضد الفلسطينيين على جانبي الخط الاخضر. 
ويخشى الكثيرون أن تكون الحملة العدوانية غير المبررة التي بدأها ليبرمان ضد محمود عباس على غرار الحملة المنظمة التي بدأها ساسة اسرائيل ضد الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، وقد كانت تمهيدا لمحاصرته في مقر المقاطعة برام الله ثم اغتياله.

ـ حروب وقائية ـ
لم يخف ليبرمان اطلاقا أن حملته العدوانية التحريضية ضد رئيس السلطة الفلسطينية هي عبارة عن "حرب وقائية" لمواجهة قرار السلطة الفلسطينية بالتوجه الى الهيئة العامة للامم المتحدة في هذا الشهر بغية الحصول على تأييدها لاقتراح قبول فلسطين عضوا مراقبا فيها، مما يؤهلها للانضمام لاحقا الى معاهدة روما التي اقامت المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، مما سيتيح لفلسطين التقدم بشكاوى متعددة ضد اسرائيل على ارتكاب جرائم حرب في الضفة الغربية وقطاع غزة.
وعليه لا يكتم ليبرمان ان الحراك الذي بداه والحملة التحريضية التي شرع بها هما لاجهاض جهود عباس وسد السبل امامه لمنعه من بلوغ اروقة الامم المتحدة حيث ينتظره تعاطف دولي واسع النطاق لا يرقى اليه الشك كونه مضمونا، لذا فالواضح أن هدف ليبرمان هو اسقاط كل شرعية عن عباس سواء في داخل المجتمع الفلسطيني من خلال الدعوة الى تحديد موعد للانتخابات العامة بهدف استبداله أو من خلال تشويه صورته عالميا من خلال وصفه بأنه صار "عقبة في طريق تقدم السلام".
ومن الواضح أن ليبرمان اراد من خلال اطلاق هذه المواقف التصعيدية المتشددة أن يزايد على منافسيه السياسيين في اسرائيل، خصوصا انه بادر سريعا الى الرد على انتقاداتهم لكلامه ولرسالته الى اللجنة الرباعية، وعليه، فانه يعي تماما أن النهج التحريضي الذي بدأه ضد ابو مازن انما سينال حظوة وقبولا لدى الغالبية الساحقة من الاسرائيليين، وهي بالتالي ستقيد من حركة الاعتراض التي يمكن أن يبدأها خصومه السياسيون ضده.
ـ الوقت المناسب ـ
واذا كان ليبرمان قد اعتاد "اقتناص" الفرص وصار خبيرا في مزاج الجمهور الاسرائيلي يعرف متى يحركه ويستدر عاطفته، لذا فهو يعرف متى يختار فترات التصعيد واطلاق المواقف المتطرفة ، فان السؤال المطروح وبالحاح هو: الى أي مدى سيمضي ليبرمان في سياسته؟ وما هي كمية الثمار التي سيجنيها من خلال هذا التصعيد المفاجىء في المكان والزمان؟!
على منوال الزعماء التاريخيين السابقين للدولة العبرية ينسج ليبرمان تصعيده ومواقفه، فهو ولا ريب في انه يختار الوقت الذي يراه ملائما ومحرجا لاصدقاء اسرائيل واعدائها على حد سواء.
وبمعنى أكثر وضوحا اختار ليبرمان أن يمضي قدما نحو التصعيد والتحريض، في اللحظة علينها التي يذهب الساسة الامريكيون نحو معركة الانتخابات الرئاسية التي لم تعد بعيدة اطلاقا اذ صارت مسألة اشهر قليلة، حيث من المتعارض عليه قدرة التاثير الهائل للوبي الصهيوني في أي انتخابات رئاسية امريكية، حيث من المعلوم حاجة الفريقين المتسابقين لبلوغ البيت الابيض الى الصوت والمال اليهودي، ولنيل رضا هذا الصوت الوزان والمثير حاضرا كما تاريخا.
وعليه يدرك ليبرمان تمام الادراك أن كلامه سيجد اذانا صاغية تماما لدى الفريق الامريكي المتبوىء سدة الرئاسة في البيت البيضاوي، كما الفريق الاخر الساعي بدأب الى بلوغ هذا المقام الرفيع والحلول محل الفريق الحالي، وعليه فان ليبرمان برع في اختيار التوقيت الملائم للبدء في حملته التحريضية.
كذلك يتكىء ليبرمان على عنصر آخر يعتقد أنه لمصلحته تماما في حملته، وهو عنصر التحولات والتغيرات الجذرية في العديد من دول المنطقة، اذ ان الرأي العام الغربي عموما لم يخف اطلاقا انه في خضم "الربيع العربي" المزدهر، بات يهمه أمر اساسي وهو أن يكون الكيان العبري محصنا ومصانا وثابتا، وأن لا تصب هذه التحولات الجارية في غير مصلحة اسرائيل ومستقبلها.
ولم يكن ليبرمان غبيا عندما تحدث في رسالته الى اللجنة الرباعية عن سقوط "شرعية" عباس في ترؤسه للسلطة الفلسطينية والحاجة الى اجراء انتخابات فلسطينية عامة للاتيان بسواه أو لمعرفة شعبيته.
ـ جملة مكاسب ـ
وهكذا يبدو جليا أن ليبرمان يحقق في حراكه المستجد هذا جملة مكاسب في ضربة واحدة، اذ ليحرج عباس ويحرج واشنطن ودول الغرب عموما كونها تتعامل مع رئيس منقوص الشرعية أو على الاقل مشكوك بشرعية وجوده في منصبه الحالي، فضلا عن انه فقد شرعية المفاوض مع الجانب الاسرائيلي باسم الشعب الفلسطيني.
لذا كان ليبرمان بارعا وبالغ اللؤم في آن حينما قال صراحة: "ان عباس يمارس ضدنا ارهابا سياسيا وحملة لنزع الشرعية عن اسرائيل من خلال تشجيعه مقاطعتنا وتقديم الدعاوى ضدنا في الخارج والتحريض على اسرائيل وعلينا أن نتعاطى معه بالممثل، وحتى السابع من تشرين ثاني غداة الانتخابات الرئاسية الامريكية نتعين أن نجعل منه غير شرعي في عيون العالم".
ومهما يكن من أمر فالواضح أن السلطة الفلسطينية تدرك تمام الادراك مساعي ليبرمان ومقاصده الخبيثة من خلال هذه الحملة وتوقيتها، وهي أكدت في المقابل أن الهدف هو الضغط على السلطة، لذا فان السلطة متمسكة بثوابتها وحقوقها ولن تتنازل عنها مهما كانت الضغوط، وفي كل الحالات فان السلطة تردك أن ما تواجهه الان معركة من سلسلة حروب عرفتها وخبرتها.