2025-05-25 02:17 ص

أبعاد خطة باراك.. ترسيم الحدود واعادة "تموضع" للجنود

2012-09-25
القدس/المنــار/ من جديد، يعود الحديث في اسرائيل عن خطة لفك الارتباط في الضفة الغربية، وسط تطورات متسارعة في المنطقة، لها تاثيراتها وتداعياتها، تترافق مع جمود في عملية السلام ، وتوجه فلسطيني جديد الى الهيئة الدولية، واحتمالات بانتخابات مبكرة في اسرائيل وانشغال امريكي بالانتخابات الرئاسية.
هذه الخطة التي لم تستكمل في عهد شارون ووضعت في الدرج، تعود بصياغة جديدة، ليطلقها وزير الدفاع الاسرائيلي ايهود باراك منتظر طرفا فلسطينيا للمشاركة في تسويقها، فهو نفسه الذي اجرى محادثات سرية عبر لقاءات عديدة وعلى امتداد سنوات ثلاث مع رئيس الوزراء سلام فياض بدون علم القيادة الفلسطينية.
(المنــار) تتناول هذا الموضوع من جوانبه المختلفة، من حيث الابعاد والأهداف والتوقيت.
هذه الخطة التي أسماها شارون بالانطواء، بعيدة كل البعد عن خطة فك الارتباط بقطاع غزة التي نفذها شارون بدعم امريكي كان واضحا في رسالة الرئيس بوش الابن الى رئيس الوزراء الاسرائيلي انذاك اريئيل شارون والتي تحدث فيها عن الكتل الاستيطانية وضمها الى اسرائيل، وفك الارتباط عن غزة كان في ظروف مختلفة ، فهو جاء في ظل ادارة امريكية هي من اكثر الادارات الامريكية صداقة ودعما لاسرائيل، ووفرت لها الدعم المطلوب، الدعم المالي والمظلة السياسية ومنحتها الثمن المؤثر في اية عملية تفاوضية قادمة مع الفلسطينيين، وحسمت مستقبل الكتل الاستيطانية الضخمة.
بعد ذلك، بدأ شارون بالتحضير لخطة "الانطواء" والبعض الاخر في اسرائيل، اسماها باعادة "تموضع" القوات الاسرائيلية في الضفة الغربية، والبعض الاخر اسماها "فك الارتباط 2" ، وهناك من وصفها بعملية احادية الجانب لتخفيف الاحتكاك مع الفلسطينيين، ووصفتها قيادات في اسرائيل بالخطوة الاستباقية لخلق اجواء مريحة في اية مفاوضات مستقبلية حول الضفة، ومهما كانت التسمية للخطة الا انها في النهاية تحمل نفس المضمون، وهو انتزاع المناطق التي ترغب بها اسرائيل بقوة الامر الواقع من مناطق بالضفة الغربية وضمها الى اسرائيل، سواء أكان ضما دائما، أو كما حصل في المناطق التي ضمها جدار الفصل الى اسرائيل تحت ذرائع امنية.
فما طرحه باراك لا يختلف عن طروحان كان قد طرحها سابقا، وضمن الخطوط الاساسية المتعارف عليها، هي التوصل الى اتفاق داخلي اسرائيلي لاعادة تموضع القوات الاسرائيلية والاحتفاظ بمناطق وتلال حيوية حول القدس والاغوار واستيعاب المستوطنين في الكتل الاستيطانية الضخمة.
وباراك، رغم بعض الاقوال المنسوبة اليه لا يرى في الرئيس عباس شريكا، وهو كان أكد هذا الموقف في أعقاب فشل كامب ديفيد، وبعض المشاركين الى جانب باراك في المفاوضات انذاك، حملوا مسؤولية الفشل الى الرئيس الراحل ياسر عرفات وبعض المقربين منه من بينهم الرئيس محمود عباس، وما طرح باراك مؤخرا تجمع عليه كل الاطياف الحزبية في اسرائيل. فالخطر من "البعبع الديمغرافي" يبقى حيا وماثلا في اذهان كل الاسرائيليين ، وهناك رغبة في ترسيم حدود دائمة لاسرائيل أو على الاقل حدود آمنة لن تدوم طويلا قبل تحويلها الى حدود دائمة.
لكن عملية فك الارتباط 2 او الانطواء او مهما كانت التسمية، فهي لن تنجح بدون قبول فلسطيني وشراكة فلسطينينة حتى لو كانت هذه الشراكة محدودة، لأن اسرائيل لا يمكنها تحمل تكاليف مثل هذا الانطواء المادية وردود الفعل الدولية، ودون اسناد مالي من الجهات الدولية، فاوروبا على وجه الخصوص لا يمكن ان تقدم لاسرائيل الدعم المالي، اذا لم تكن الخطوة الاسرائيلية باتجاه انهاء الصراع مع الفلسطينيين، لذلك، هناك ضرورة يدركها باراك، وهي أهمية البحث عن شريك يتناغم معه في "التغريد"، أما بالنسبة لنتنياهو فانه لا يرى حاليا شيئا اسمه "الشريك الفلسطيني"، لكنه في الوقت ذاته لا يرفض خطة باراك، وكلاهما يبحثان عن شريك فلسطيني يتم الاستثمار فيه.
ان كل الطروحات من جانب القيادات الاسرائيلية مهما اختلفت التسميات قائمة على اساس ترسيم حدودي أحادي الجانب ووضع اساسات لادارة صراع مريحة، أما الحل النهائي فليس مطروحا، حيث لا يمكن فتح ملفات الحل الدائم والقضايا الجوهرية في ظروف ترى فيها اسرائيل غير مناسبة.
في نفس الوقت لا يمكن الفصل بين طرح باراك وبين اقتراب الانتخابات في اسرائيل، سواء عقدت في موعدها المقرر بعد عام تقريبا، او تم تبكيرها بداية العام القادم، فالنتيجة واحدة، وباراك يدرك أن هناك فراغا في الشأن السياسي والساحة فارغة من المبادرات المتعلقة بالصراع الفلسطيني الاسرائيلي، ويدرك أيضا أن نتنياهو غير معني بادارة مفاوضات حقيقية مع الرئيس عباس، وزعيمة حزب العمل لا ترغب في ادخال يدها في "عش الدبابير"، وطرح باراك في حال عاد مرة اخرى الى الحكومة او لم يعد، فقد يستخدمه نتنياهو في المرحلة المقبلة، خاصة اذا شعر أن الادارة الامريكية "وتحديدا اذا كانت برئاسة اوباما" فانه سيلجأ الى ملء الفراغ واستئناف اية خطوات امريكية ضاغطة على اسرائيل، وفي النهاية فان الخطط التي يطرحها باراك "خطة الانطواء" هي لا تعاكس اراء نتنياهو، الذي يؤمن بضرورة التواجد العسكري الاسرائيلي في غور الاردن، وهذا ما اعلنه اكثر من مرة، ويؤمن ايضا باهمية السيطرة على التلال المشرفة على العمق الاسرائيلي، لذلك، لن تكون هناك ازمة بين الاثنين في حال تواصل تسليط الاضواء على ما طرحه باراك، هذا اذا لم يكن طرحه قد جاء بتناغم وتفاهم مسبق مع رئيس الوزراء نتنياهو.
أيضا، من بين العوامل التي يمكن أن تبقي الامور في مناطق السلطة تحت السيطرة، ويمنع تكرار ما حدث في غزة، هو تنسيق اية عملية فك ارتباط أو انطواء مع السلطة الفلسطينية، وان يكون هذا التنسيق كاملا يضمن ابقاء القوة الامنية الفلسطينية ومكانة السلطة على ما هي عليه حتى لا تضعف، فعدم اهتزازها واضعافها يأتي باشراكها، وان كانت هذه المشاركة غير ظاهرة، وبتنسيق بين الجانبين.
حتى ولو كان هناك قبول لتطبيق مثل هذه الخطة، فهي لن تكون بغلاف من باراك، بل ستسجل كانجاز لنتنياهو وحكومته في الفترة المقبلة، ومدى تطبيق هذه الخطة أو عدمه مرتبط بالمناخ الحزبي والائتلاف الذي سيشكله نتنياهو حسب توقعات وتقديرات مراكز استطلاع الرأي، بعد الانتخابات القادمة، وستبقى هذه الافكار والطروحات في نظر قادة اسرائيل خلاقة، تناقش في الغرف المغلقة والجلسات السرية، ولن تظهر الى العلن قبل أن يفتح لها الباب سواء بفعل اسرائيلي أو من خلال ضغوط امريكية تحول مثل هذه المبادرات الى باب هروب لاسرائيل.