جاء في نتائج هذا الاستطلاع أن 65% ينادون باستقالة الرئيس محمود عباس بعد عشر سنوات من الحكم، ونسبة كبيرة من الذين أجابوا على ما طرحه الاستطلاع، دعوا الى الغاء اتفاق اوسلو، هذه النسب فيها استغراب، والبعض يرى أنها ليست مفاجئة، ولموقف هؤلاء أسبابه.
بالنسبة لاتفاقية اوسلو، فهي قد سقطت بفعل المواقف الاسرائيلية وعدم التزام تل أبيب بالاثمان والالتزامات والاستحقاقات التي ترتبت عليها، وبالتالي، هي أصبحت في خبر كان، وشطبها جاء من طرف واحد. أما الجانب الاسرائيلي، فما يزال متمسكا بها رغم عدم جدواها، والتهديدات بعدم الاعتراف بها بات ميدان مزايدة، فكلما "دق الكوز في الجرة" يخرج علينا هذا المسؤول أو ذاك، يهدد بالغاء اتفاقية اوسلو، لكن، هذه التهديدات وفي أحرج الأوقات لم تنفذ، وبقيت حبرا على ورق، يتم اجترارها من حين الى آخر، ويذكر هنا، أن الجانب الفلسطيني يواصل التقيد بالالتزامات التي نصت عليها الاتفاقية المذكورة، وفي مقدمتها التنسيق الأمني، ويعني ذلك، أن اسرائيل تحصل من الجانب الفلسطيني ما تشاء من بضاعة، دون دفع الاثمان، أو حتى التعهد بذلك، مستقبلا.
وجاءت نسبة الداعين الى رفض اتفاقية اوسلو ـ وهي نسبة عالية ـ لتؤكد أن الشارع الفلسطيني، يراقب باهتمام مواقف القيادة الفلسطينية، وعدم حسمها للامور، وهذه النسبة تفيد بأن للشارع الفلسطيني مطلب يتمثل بشطب اتفاق اوسلو وذيوله وملاحقه، لأنه بات يشكل خطرا على مسيرة شعب، وهذه الخطورة تزداد مع الايام، ويرفض الشارع الفلسطيني، موقف القيادة غير الحاسم والحازم، وبالتالي جاءت نتيحة التصويت بمثابة رفض لهذا الموقف، واستياء من عدم تلبية هذه القيادة لمطلب جماهيري يثير الاستياء والنقمة، وفي هذا الوقت الرفض للمهددين كلاميا واستعراضيا بالتخلي عن اتفاق اوسلو، الذي وضع في الحضن الاسرائيلي الكثير من الثمار والمكاسب، وعلى الجهة المقابلة أي فلسطينيا تعني نتيجة الاستطلاع تذمرا من موقف القيادة، وتصاعد التذمر في مصل هذه الحالات يترتب عليه نتائج تلحق ضرارا بقيادة تقف عاجزة أمام الرد على السياسة الاسرائيلية التي حولت اتفاق اوسلو الى مجرد يافطة من تحتها تنفذ ما تراه من مخططات متغنية بهذا الاتفاق أمام المجتمع الدولي الذي يتراجع من حيث تأييد الفلسطينيين عندما يرى أن يافطة أوسلو ما تزال مرفوعة.
وهذا يقودنا الى القول بأن التنسيق الأمني هو المكسب الأكبر والمتواصل من وراء اتفاق اوسلو، وفي حال التهديد الفلسطيني من خلال الرئيس محمود عباس بالغاء الاتفاق، يسارع مسؤولو اسرائيل بأن هذا التنسيق ليس بحاجة الى موافقة الرئيس الفلسطيني، ما دام يتم مباشرة من خلال وبين الجنرالات من الطرفين، ويتضح من نتائج هذا الاستطلاع الذي أجراه المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية، أن مسألة "اتفاق اوسلو" من بين الاسباب، التي أدت الى تراجع نسبة تأييد الشارع الفلسطيني للرئيس محمود عباس، وارتفاع نسبة الداعين الى استقالته.
تراجع في التأييد لعباس
استطلاع مركز البحوث أظهر أيضا تراجع نسبة تأييد الرئيس الفلسطيني محمود عباس، وهذا مؤشر، له دلالاته ومعانيه وأبعاده، فهذه النتيجة تعني، رفض متزايد لسياسة الرئيس ومواقفه، لكن، التمسك بأوسلو، وعدم تنفيذ التهديدات بالغائه فلسطينيا، ليس السبب الوحيد الذي يقف وراء هذا التراجع الملحوظ في التأييد، تراجع يشعل الضوء الأحمر في المقاطعة، فهناك أسباب أخرى، يقف عليها كل متابع في الساحة الفلسطينية، مدركا أن الشارع يتناول هذه الأسباب في اللقاءات والاحاديث وان أغلقت أبواب الاعلام في وجهه، وعلى رأس هذه الأسباب تقف السياسة الداخلية التي تنتهجها القيادة ممثلة بالرئيس عباس، فالشارع الفلسطيني يدرك صعوبة استعادة الحقوق في هذه المرحلة خاصة، ويدرك أيضا صعوبة الحرب الدبلوماسية، ويجد للرئيس عذرا اتجاه ذلك، غير أن التذمر من السياسة الداخلية والوضع الداخلي، لا قدرة لأحد على امتصاصه وتنفيسه.
ولعل أبرز جانب في ذلك، التعاطي الحكومي وعدم سلامة الاداء المؤسساتي، وممارسات أجهزة التأثير، والحال المعيشي، والفشل في وقف الفساد المستشري بأشكاله المختلفة، والتقصير في احتياجات المواطن العادية والاساسية وكثرة "المظالم" في الوزارات، وضيق دائرة التشاور، وعدم الاستماع للمتمسكين بمبدأ الدين النصيحة، يضاف الى ذلك، سوء طرق ايصال المطالب لصاحب القرار، والنقل المغلوط، واخفاء الكثير عمدا عنه، والحقد الشخصي في التعامل، وتحريف المعلومات، هذه كلها، عوامل تقف وراء تراجع نسبة تأييد الرئيس في الشارع الفلسطيني، وهو تراجع لافت يستدعي معالجة الاسباب بالسرعة الممكنة، وسبب التراجع داخلي في الدرجة الاولى، وما لم يتم فحص الأمر ودراسته بدقة متناهية، والخروج بحلول للمسببات، فان التراجع سوف يستمر وستكون تبعاته ونتائجه سلبية وخطيرة، ويفسح المجال لقوى متربصة، كثيرة منها دخلت في تحالفات فصائلية واقليمية ودولية، دون نسيان "الجار الملاصق" وخيوطه الممتدة في كل هذه التحالفات.