قُتل زهران علّوش. يُمكن القول إنّ هذه النهايةُ كانت الأكثر ترجيحاً لمسيرة الرجل المثير للجدل، فالمواصفاتُ التي توافرت في قائد «جيش الاسلام» حافظَت على السيناريو خالياً من المفاجآت منذ إطلاقه من سجن صيدنايا (حزيران 2011) حتّى مقتله قبل أيّام. ومن بين المظاهر اللافتة التي تلت عمليّة استهداف علّوش، يبرز حرص دمشق على خروج المتحدّث العسكري ليعلن رسميّاً العمليّة. وهي خطوة تحملُ في طيّاتها رسائل سياسيّة لا تنبعُ من أهميّة المقتول كشخصٍ، بقدر ما تنبعُ من أهميّة ولائه المُطلق للرياض. وجاء التبنّي السوري الرسمي للعمليّة بعد ساعاتٍ من سريان أنباء تؤكد أن الغارة كانت روسيّة، وهو الأمر الذي تصرّ وسائل الإعلام المحسوبة على السعوديين ومحورهم على تبنّيها حتى الآن. ولا تنفصل الرّسائل التي حملها البيان العسكري السوري عن جملة المعطيات المتوافرة عن استهداف علّوش، وهي معطيات تُضفي على الحادثة طابعاً «سياسيّاً» أكثر منهُ عسكريّاً. وفي هذا السياق، ثمّة تفصيلٌ يستدعي الوقوف عنده باهتمامٍ، ويعود إلى ما قبل مقتله بثلاثة أسابيع. ففي السابع من الشهر الجاري، أعلن إسلام علوش المتحدث باسم «جيش الإسلام» أنّ «قائد جيش الإسلام (زهران علوش) يعتذر عن عدم حضور مؤتمر الرياض»، مبرّراً الأمر بـ«خروج الطريق الذي كان يسلكه سابقاً عن السيطرة». ورغمَ أنّ هذا الإعلان لم ينَل حقّه من الضوء حينها، غير أنّ الجملة الأخيرة تبدو في ضوء التطوّرات الوثيقةَ الصلة بنجاح استهداف علّوش. قبلها، كانَ الرّجل قد دأب على الانتقال بهدوء وسلاسةٍ إلى خارج البلاد، بطريقة رسمت كثيراً من إشارات الاستفهام حولَه، وساهمت في الوقت ذاته بتعزيز «هالته». يعود «الخروجُ الأخير» المُعلن لعلّوش إلى نيسان الماضي، حيث ظهر على نحو مفاجئ في تركيّا. في تمّوز عاد إلى الغوطة محفوفاً باتهاماتٍ كثيرة تمحورت حولَ «حقيقة المهمّة التي أوكلت إليه» وخاصة في ظل تصاعد التوتر بين جماعته و«جبهة النصرة». ورغمَ أنّ التطوّرات الميدانيّة في الفترة الممتدة بين عودته «آمناً» وامتناعه عن الخروج لدواعٍ «أمنية» كانت قد شهدت انحساراً لسيطرة «جيش الإسلام» عن بعض المناطق لمصلحة الجيش السوري، غيرَ أنّ ما كشفه تعليق تنفيذ اتفاق الحجر الأسود بسبب مقتل علوش يُدلل على أنّ المناطق التي يسيطر عليها «جيش الإسلام» ما زالت صالحةً للنفاذ من محيط دمشق إلى خارجها. ونقلت مصادر لصحيفة «الأخبار» اللبنانية أنّ مربط الفرس في كلّ ما تقدّم هوَ أنّ «تعذّر خروج زهران إلى الرياض لم يكن ناجماً عن خللٍ في مناطق السيطرة، بل عن إغلاق أبواب عمّان في وجهه». ثمّة روايتان في هذا السياق: الأولى يوردُها مصدرٌ من داخل «جيش الإسلام» أنّ الأمنيين المحيطين بعلّوش «تلقّوا تحذيراتٍ من أجهزة صديقة مفادُها وجودُ قرار سوري روسيّ، باستهداف الشيخ»، الأمر الذي دفعَ إلى اتّخاذ قرار بعدم المغادرة. والواقعُ أنّ هذه الرواية تتناقضُ معَ استمرار علوش في ممارسة مهماته «القياديّة» على النحو المعتاد: جولاتٌ واجتماعات وزياراتٌ تفقديّة. الرواية الثانية يوردُها «ناشطٌ إعلامي» موجود داخل الغوطة، ومحسوبٌ على مجموعةٍ مسلّحة أخرى. ويقول المصدر لـ«الأخبار» إنّ «الأردنيين أعلموا جماعة زهران صراحةً بعدم استعدادهم لتسهيل سفره هذه المرّة بسبب المستجدّات الدوليّة (خلافاً لكل المرات السابقة التي كانت فيها المملكة ممرّاً آمناً بحفاوة)». المصدر أكّد أنّ «المعلومات المتداولة على نطاق ضيّق تؤكد وجود دور استخباري أردني وراء استهداف علّوش. فالأردنيون سرّبوا المعلومات اللازمة إلى المحور السوري الروسي، ومهّدوا لقطف رأسه». ومن شأن هذه الرواية أن تطرح أسئلة كثيرة عن الدور الأردني وما يمكن أن يُفرزه في المرحلة التالية على مختلف الصّعد. وتبرز في هذا السياق المعلومات التي رشحت قبل فترة عن انتقال عدد من مقاتلي «جبهة النصرة» من الجنوب السوري إلى الشمال، وخاصّة أنّ اللائحة المتداولة تورد عدداً من «القياديين» الذين يحظون بعلاقات طيبة مع الاستخبارات الأردنيّة، مثل أبو ماريّا القحطاني، وسامي العريدي. ومن المعروف أن عمّان قد أوليت بقرار دولي مهمّة إعداد «لائحة التنظيمات الإرهابيّة» وهو دور لم يكن لها أن تؤديه لولا رضى روسي أميركي. ورغم أنّ السلطات الأردنيّة تبدو حريصةً على علاقاتها بالرياض، غيرَ أن هذا الحرصَ لا يرقى إلى درجة «التبعيّة المُطلقة»، في ظل «المهارة» الأردنيّة المعهودة في التكيف مع المتغيرات والتجاذبات الإقليمية والدولية.
المصدر: الاخبار اللبنانية