2025-05-22 06:15 ص

العودة للتدخل العسكري في ليبيا "لمحاربة داعش"!!!!!

2016-02-29
كتب الدكتور بهيج سكاكيني
التحضيرات تجري على قدم وساق للعودة الى التدخل العسكري للدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة في ليبيا تحت ذريعة محاربة تنظيم داعش الذي أصبح متجذرا في ليبيا وأصبح يسيطر على الجزء الأكبر من الساحل الليبي وحيث تتواجد الحقول النفطية. لقد أصبحت ليبيا تشكل معقلا كبيرا ورئيسيا للتنظيم ومركزا لتمدده الى دول المغرب العربي والداخل الافريقي. والكثيرون يعتقدون ان التنظيم بات يجهز الأرض الليبية استعدادا لهجرة الالاف من مقاتلي التنظيم من العراق وسوريا وخاصة بعد الضربات التي تلقاها التنظيم في كلا البلدين والتي من المرشح ان تستمر بوتيرة عالية، وان يحول أراضيها الى معسكرات تدريب "للمجاهدين" وتوزيعهم على حسب الطلب من مشغليهم كمرتزقة هنا وهناك على أمل تدمير ما تبقى من قدرات لدول المنطقة واثارة الفوضى والفراغ الأمني والسياسي الذي يتيح استباحة الوطن العربي من جديد على أمل إعادة رسم خرائطه الجغرافية والديمغرافية تبعا للمخطط الصهيو-امريكي للمنطقة بأكملها اذا ما تحقق لهم ذلك. هنالك العديد من الطبقة السياسة والدوائر الأمنية والعسكرية تعمل على حث الرئيس أوباما على إعادة التدخل في ليبيا وبشكل "حاسم" هذه المرة على الرغم من عدم وجود أي دليل على ان التدخل العسكري يدلل او يشير من بعيد أو قريب على ان التدخل العسكري واستخدام القوة في ليبيا من الممكن ان يحسن الأوضاع داخل ليبيا. لا بل هنالك العديد من الأمثلة التي تبين العكس تماما، فالتدخل والعدوان على ليبيا عام 2011 لم يأتي "بالديمقراطية" الموعودة ولا "ببناء الدولة الحديثة دولة المؤسسات والقانون" ولم تأتي "بالازدهار الحضاري" انما اتى بالفراغ الأمني والسياسي والتراجع الاقتصادي ونهب ثروات البلاد النفطية وتقسيم البلد التي باتت تحكمها حكومتين واحدة في طرابلس والأخرى في طبرق وانتشار تنظيم "داعش" الإرهابي وسيطرته على جزء هام من البلاد ذو الثروات النفطية. ولا ننسى ما كتب عن تدخل الناتو في ليبيا في البداية ووصف هذا التدخل الذي سوقته مخابرات الدول الغربية عبر وسائل الاعلام بانه النموذج الأمثل "للتدخل لحماية المدنيين" وعلى أنه تدخل فرضته "الأوضاع الإنسانية" المأساوية. وانه التدخل الذي يجدر الاحتذاء به في المناطق الأخرى في العالم. وانبرت اقلام الكتبة وجهابذة الكتاب المرتبطين بأجهزة المخابرات الغربية والشركات الكبرى تمجد هذا التدخل. وها نحن اليوم نجابه دولة ممزقة وفاشلة بكل المقاييس والمعايير. واذا كان هذا غير كاف فلننظر ماذا حل بالعراق الذي احتل عام 2003 من قبل القوات الامريكية والى أفغانستان والعدوان الأمريكي وقوات الناتو عام 2001 والى ما انتجته حرب الطائرات بدون طيار في اليمن منذ عام 2009 والعدوان السعودي المدعوم أمريكيا وغربيا منذ اللحظات الأول لهذا العدوان الغاشم. وما هو الحال في سوريا التي تكالبت عليها كل قوى البغي والعدوان الإقليمية والغربية منذ 2011 الى يومنا هذا. في كل بؤر التدخل هذه قامت تنظيمات القاعدة وداعش وتمددت واستفحلت وباتت تهدد ليس فقط دول الإقليم بل امتدت اياديها الإرهابية الى داخل الدول الأوروبية على وجه التحديد الى جانب بعض المناطق الاسيوية والافريقية. وهذه المجموعات الإرهابية لم يكن لها تواجد في هذه البلدان قبل التدخل الأمريكي وحلف الناتو والأدوات الإقليمية. الصحافة تتحدث عن التحضير لتدخل عسكري في ليبيا، وحقيقة الامر ان هنالك قوات خاصة أمريكية وفرنسية أيضا تعمل على الأرض الليبية كما كشفت صحيفة لوموند الفرنسية مؤخرا، مما أزعج الحكومة الفرنسية على ما يبدو التي ارادت ان تبقى الأمور سرية ربما الى ان تحل بعض إشكالات متعلقة بالتدخل بين الدول الغربية والناتو. ومؤخرا تم قصف معسكر لداعش داخل الأراضي الليبية دون اخبار حتى الحكومة المعترف بها دوليا !! مما أدى الحكومتين لإدانة القصف لأنه يعتبر خرقا للسيادة الليبية!! فالتدخل العسكري في ليبيا متواجد ولم ينقطع كما يريد البعض تسويقه. ويبدو ان بعض الدول الغربية تريد التريث في ارسال قوات برية الى ليبيا لحين تكوين حكومة وفاق وطني بين الفرقاء والقضاء على ظاهرة وجود حكومتين احداهما في طرابلس والثانية في طبرق، حتى تقوم الحكومة الجديدة الطلب من قوات حلف الناتو وامريكا بالتدخل بالإضافة الى قوات من دول إقليمية عربية وغير عربية. أما البعض الاخر فيريد التدخل في أقرب فرصة ممكنة سواء تكونت حكومة الوفاق الوطني في ليبيا أم لا. بمعنى ان الكل مزمع على التدخل كما تدلل التصريحات والاصوات الاتية من أمريكا وفرنسا وألمانيا وبريطانيا وإيطاليا، لكن القضية مرهونة متى يتم التدخل الأوسع وماذا سيكون شكل التدخل وحجم القوات الغربية والإقليمية التي ستساهم في العملية الجديدة. والمصيبة ان كل هذا يتم من دون استشارة اللبيين أو الاخذ بوجهة نظرهم كما انه يتم دون التشاور مع دول المغرب العربي وخاصة تونس والجزائر وكلا البلدين ذاقوا الامرين من المجموعات الإرهابية. وهذه الدول بالتحديد وبالرغم من انها اكتوت وما زالت من الارهاب والمجموعات الإرهابية الا انها لا تريد أي تدخل عسكري غربي في ليبيا لأنها تعتقد ان المزيد من التدخل لن يأتي الا بمزيد من الكوارث لدول المغرب العربي وتزايد نشاط المجموعات الإرهابية. ولكن الذي يبدو ان أصوات هذه الدول ستذهب ادراج الرياح ففي نهاية المطاف بات الكثير مما يدور في منطقتنا يخطط ويبرمج له في دهاليز واروقة مخابرات الدول الغربية والطبقة السياسية في كل منها المتحالفة مع اخطبوط المؤسسات المالية والشركات العملاقة ومجمعات الصناعات العسكرية في تلك الدول التي تحدد السياسات الخارجية العدوانية وبالتنسيق وتحديد الأدوار مع دول إقليمية عربية وغير عربية. لا يهم هوية ساكن البيت الأبيض أكان جمهوريا ام ديموقراطيا فهذه مجرد تفاصيل لا تعنينا. ولن ننسى ان من شرعن "التدخل العسكري الإنساني" إذا صح التعبير في كوسوفو عام 1999 كان الديمقراطي "المتنور" و"المثقف" الرئيس بيل كلينتون الذي في صباه كان ضد الحرب التي خاضتها بلاده في فيتنام وكان من الذين ظهروا الى جانب القامة الاممية الكبيرة والمناضل نيلسون مانديلا. وعندما جاء أوباما أول رئيس أسود لأمريكا اعتقد البسطاء ان أمريكا دخلت في حقبة زمنية غير تلك التي رفع لوائها الرئيس الأسبق بوش الذي أسس في عهده نظرية "الضربات الاستباقية" ومبدأ " من ليس معنا فهو ضدنا"، ليتبين لنا لاحقا ان أوباما أبقى راية بوش مرفوعة مع التغيير في التسميات. في النهاية نقول ان التدخل والعدوان على ليبيا عام 2011 بهدف "تغيير النظام" ضمن مخطط القضاء على الدول الوطنية في المنطقة العربية، الى جانب التدخل والعدوان الجديد الذي بدأ يتبلور في المرحلة الحالية لم يأتي من فراغ. فليبيا بلد غني بالثروة النفطية الى جانب مخزون من الغاز الطبيعي وهي سلع استراتيجية ومن يسيطر على هذه الثروات وطرق امدادها يضمن لنفسه موقعا فاعلا ومؤثرا في الساحة الدولية والإقليمية. كما ان ليبيا تعتبر البوابة للداخل الافريقي الذي تسيطر على جزء منه فرنسا التي لها قواعد وقوات منتشرة في بعض دولها الى جانب قوات أمريكية وأصبحت القارة السوداء ساحة للصراع بين الصين القوة الاقتصادية الصاعدة وبين الدول الغربية وخاصة فرنسا وأمريكا. الى جانب هذا فقد أصبحت السواحل الليبية تشكل خطرا على دول الاتحاد الأوروبي مع موجات الهجرة الغير شرعية بأعداد غير مسبوقة نتيجة الاعتداءات الغربية المتكررة على المنطقة وسياساتها الخارجية. ومن ثم ان ما يحدث في ليبيا الان لا يمكن فصله عما يدور في المنطقة ككل أو عن الصراع على الساحة الدولية والعدوان القديم والمتجدد لم يكن بغرض "حماية المدنيين" ولن يكون "لمحاربة داعش" وإن تراءى للبعض ذلك والا لماذا "تحارب داعش" في منطقة وتترك لتنتشر وتستفحل وتمد بالسلاح وكافة اشكال الدعم في مناطق أخرى؟؟؟  
bahij.sakakini@gmail.com