2025-05-19 04:49 ص

سرّ تأجيل معركة حلب في "جيب" الأميرال "كوزنيتسوف"

2016-11-07
كتب سمير الفزاع
منذ فترة ليست بالقصيرة والكل ينتظر لحظة الهجوم المعاكس لسورية وحلفائها في حلب وريفها –في الحدّ الأدنى- لكن إضطر المراقبون تبرير تأجل هذا الهجوم المرة تلو الأخرى. هنا سأحاول "كشف" أحد أهم أسباب تأخر الهجوم، مفترضاً بأن موعده تأجل بفعل عمل إستخباري-سياسي قامت به واشنطن، وساعدها فيه حلف النيتو... فكيف كان ذلك، وكيف استغلت واشنطن هذا التأجيل، وأين؟. * واشنطن، السباق مع الزمن: بقلق وارتباك شديدين، كانت واشنطن تتابع الإستعدادت الإستثنائية لسورية وحلفائها في مدينة حلب ومحيطها، بإنتظار ساعة الهجوم المعاكس. ومثل هذه الإستعدادات تنبئ بمعركة كبرى ستطيح بمشروع واشنطن وأدواتها الإقليمية وفي الداخل السوري، وستقضي نهائياً على فرص فوز المرشحة الديموقراطية كلنتون، وتمنح روسيا دوراً رائداً في أكثر بقاع الأرض حساسية، حوض المتوسط، دور لن يكون إلا على حساب أمريكا والغرب وحلفائهم في الإقليم، وتوجه ضربة قاصمة لادعاءات واشنطن بمحاربة الإرهاب عند طرد القاعدة من حلب وداعش من دير الزور... بينما هي تقف عاجزة عن تنفيذ عمل ميداني جدي –ولأسباب كثيرة تبدأ من عدم توفر القدرات اللازمة لإنجاز ميداني... وصولاً إلى عدم وجود الرغبة الحقيقة- لا في العراق ولا في سورية. هنا برزت معادلة كسب الوقت بإنتظار متغير ما قد يقلب معادلات الميدان والسياسية، مع ضرورة إحباط أي مسعى لمعسكر سورية وحلفائها من تحقيق أي إنجاز يسجل لهم وعلى واشنطن. من أهم وأبرز الوقائع على هذا المسعى المزدوج، الإستهداف المقصود لمواقع الجيش العربي السوري في جبل الثردة؛ لإعاقة خطة فك الحصار عن دير الزور، وطرد داعش منها، كمثال على عرقلة مشاريع "الخصم"... ومحاولة إحباط هذا المشروع –فك الحصار عن دير الزور- بنقل عناصر داعش من الموصل إلى الرقة، كمثال على خلق واقع ميداني جديد، "تُحرر" فيه الموصل، وتغرق سورية وحلفائها بإرهاب داعش. نجحت واشنطن في بعض مساعيها، وفشلت في أخرى، لكن الصراع على حلب لم يتأثر بألاعيب واشنطن، وما زال أعدائها يتقدمون، ويتحضرون لمعركة الحسم. * صناعة الخلل: إذا كان أداء عدوك متقناً فعليك أن تعمل على صناعة الخلل في نمط وآليات عمله، كي يتسنى لك أن تسبقه بخطوة أو إثنتين. كانت الأرتال تزحف نحو حلب من كل أنحاء سورية، وسفن الإنزال الروسيّة تفرغ حمولاتها القصوى في مينائي اللاذقية وطرطوس محملة بمختلف أنواع الأسلحة والذخائر، لتنقل على عجل إلى ميادين القتال والقواعد الجويّة... فكانت محاولة واشنطن الأولى في صناعة الخلل في الريف الشمالي لحماه. مجموعة كبيرة من الفصائل الإرهابية –تنتمي لداعش والقاعدة- هاجمت بلدات وقرى في الريف الحموي لتحقق جملة من الأهداف: تهديد مدينة حماه ومطارها العسكري الذي يؤدي دوراً محورياً في معارك حلب وريفها، تهديد طريق إمداد حلب الوحيد... وأما أهمها، تبديل أولويات الجيش العربي السوري وحلفائه لصناعة الخلل في معركة حلب. مرة أخرى، كسبت واشنطن بعض الوقت، ولكنها لم تغير حقائق الميدان والسياسة، فأضطرت للذهاب مباشرة نحو حلب مرة أخرى. * ملحمة حلب الكبرى، حُلم الإنغماس: بدأت معركة حلب الكبرى يوم الجمعة 28/10/2016، وبعدها بأيام معدودة ظهرت صور توضح بعض من تسليح المجموعات الإرهابية التي شاركت في الهجوم على نقاط الجيش العربي السوري وحلفائه غرب حلب. تعود أهميّة هذه الصور ليس فقط لكونها توضح مصدر هذه الأسلحة، وبالتالي الدول الداعمة والمشرفة على هذا الهجوم؛ بل لأنها تكشف أيضاً عن أهداف هذا الهجوم. إستخدمت في هذه "الملحمة" راجمات الصواريخ الجديدة التي يصل مداها إلى 40كم، كما إنخرط في الهجوم أمهر رماة صواريخ "التاو"، وأكثر من 10آليات مفخخة ومصفحة بشكل إحترافي، وحوالي 20 دبابة... لكن العنصر المميز في هذه المرة، تلك القناصات الحديثة -"Steyr SSG 69" – وقواذف الإلتحام القريب التركية الصنع "Har-66"المخصصة لاستهداف دشم ومناطق تحصن العدو. أي أننا أمام وحدات خاصة محترفة أعدت للاقتحام والتمترس لأطول فترة ممكنة إذا لم يتسنى لها السيطرة والتوسع فيها... وأن هدف هذه المجموعات الإرهابية السيطرة على أحياء مشروع (3000) شقه، وحلب الجديدة وصولاً للحمدانية... هنا سيتعطل عمل سلاح الجو أو ينحدر لحدوده الدنيا، لينحصر القتال عبر جنود المشاة، ما يعني معركة طويلة الأمد، باهظة التكاليف... وفي المقلب الآخر كانت المعركة مع "الأميرال كوزنيتسوف" على أشدها. * معركة "الأميرال كوزنيتسوف" وظرف الأوامر العسكريّة: ملاحقة حاملة الطائرات الروسيّة "الأميرال كوزنيتسوف" في خط سيرها يظهر الكثير من أسرار وخفايا تأجيل معركة حلب، ولكن كيف؟. كان منتظراً أن تشارك هذه الحاملة في المشروع التدريبي المشترك مع وحدات من قوات المظلات المصرية، والذي يعرف باسم "مناورات حُماة الصداقة 2016"، والتي تستمر من 15/10-25/10/2016، بعد أن تمر بالسواحل السورية لتنزل الجزء الأكبر من الطائرات التي تحملها في قاعدة حميميم الجويّة. وفي 21/9/2016، أعلن وزير الدفاع الروسي، سيرغي شويغو، عن عزم بلاده إرسال مجموعة حاملة الطائرات "الأميرال كوزنيتسوف"، إلى البحر المتوسط بهدف رفع قدرات القوات الروسية المتواجدة في سورية. وقال شويغو: بالوقت الحاضر، تضم مجموعة القوات البحرية الروسية، في شرق البحر الأبيض المتوسط، ما لا يقل عن ست سفن حربية وثلاث أو أربع سفن دعم من تكوينات جميع الأساطيل. ولزيادة القدرات القتالية، يخطط ضم حاملة الطائرات "الأميرال كوزنيتسوف" ومجموعتها إلى تشكيلة المجموعة. وأضاف "في الوقت الراهن، شركات المجمع الصناعي العسكري تقدم للجيش منظومات صاروخية وصاروخية ساحلية، وحاملات أسلحة دقيقة بعيدة المدى تسمح برفع مستوى القدرة القتالية للتشكيلات الصاروخية يـ 2-4 أضعاف". يوم 23/10/2016، وصلت الحاملة إلى ميناء "سبته" للتزود بالوقود، لكن أمريكا والنيتو منعا إسبانيا من تزويدها بالوقود، والضغوط ذاتها مورست على أكثر من دولة أوروبيّة لتقوم بنفس الأمر، مثل مالطا. أصبح وضع المجموعة الروسيّة محرجاً في عرض المتوسط وهي جاثمة بدون وقود تقريباً. في 31/10/2016، ظهر فيديو يرصد مرور حاملة الطائرات الروسية "الأميرال كوزنيتسوف"، عبر السواحل الجزائرية. وفي هذا السياق، ذكرت وكالة الأنباء "انترفاكس"، أن حاملة الطائرات والسفن الحربية التي معها، ستتجه نحو السواحل الشرقية الجزائرية وتحديدا في جيجل، لإجراء مناورات عسكرية، قبل الإلتحاق بأسطولهم البحري المتواجد في سورية، بينما كانت سفينة نقل النفط الروسية Serguey-Osipov"" قد رست بميناء وهران لتعبئة الوقود. ختاماً، تابعت الحاملة طريقها، لتصل الشواطئ السورية قبل أيام، لكن الدرس قاسياً جداً لموسكو: طرطوس أكبر وأهم بكثير من قاعدة بحريّة، على الأقل، بدونها ستكون القطع البحريّة الروسيّة محاصرة وعاجزة في بيئة معادية... والدرس الثاني لروسيا وسوريّة، بأن واشنطن لن تستسلم بسهولة، وستعرقل بكل قوتها تحرير حلب... لكن ذلك لم يزد إلا من الغضب على واشنطن، وكشف بما لا يدع مجال للشك خططها، وزاد من تصميم سورية وحلفائها على ضرورة "سحق" هذه الأدوات الأمريكية الخالصة لشنّ الحروب وتدمير الخرائط... تحت مسمى "معارضة مسلحة". هذا هو "سرّ" تأجيل معركة حلب المرة تلو الأخرى، فحاملة الطائرات الروسيّة لا تقدم القوة الجويّة الساحقة لتحرير حلب، ولكنها تمنح هذا التحرير الغطاء "النووي" الذي تحتاجه، فالصراع على حلب تجاوز حدود سوريّة منذ زمن طويل، وربما لأجل ذلك جاء رد الناطق باسم الرئاسة الروسية، دميتري بيسكوف، في سياق حديثه على شبكة التلفزيون الروسي، على سؤال بشأن توجه حاملة الطائرات إلى شرق المتوسط نحو سواحل سورية، عندما قال: لا أظن أن مهمة "الأدميرال كوزنيتسوف" تتعلق بـ"ردع أحد ما عن إمكان توجيه ضربة… وحماية سماء سورية لأن أدوات مراقبة السماء وتأمين بنيتنا التحتية المؤقتة في سورية متوفرة... وأما بالنسبة للمهام المطروحة على "الأدميرال كوزنيتسوف" أظن أن التعليمات بشأنها محفوظة في مظروف مغلق لا يجوز إلا للقادة فتحه". اكتملت الإستعدادات بوصول "الأدميرال" فانتظروا فتح الظرف.