2024-11-30 02:34 م

مؤتمر وارسو من زاوية أخرى

2019-02-13
بقلم:  إيهاب شوقي  
قد يكون المعلن في مؤتمر "وارسو" أنه موجه بالأساس ضد ايران ونفوذها في المنطقة، لكن المسكوت عنه شكلاً وموضوعاً ربما يكون أكبر من هذا السبب الذي أعلن خصيصاً لطمأنة حلفاء ترامب في الكيان الصهيوني والخليج تحديداً.  وقبل الشروع في محاولة استقراء الأسباب والدلالات، لعل من المناسب التذكير بأن الولايات المتحدة وحلفاءها، قد استنفدوا وسائلهم وحشودهم في الضغط على محور المقاومة، واستخدموا جميع الوسائل المتاحة وفقاً لموازين القوى، سواء العسكرية في مناطق الصراع المسلحة في سوريا واليمن والعراق بمساعدة التنظيمات التكفيرية الوظيفية، أو عبر الاستهداف المباشر، وكذلك استخدام الوسائل الضاغطة اقتصادياً واعلامياً، عبر الحصار وحملات التشويه والتشويش، وأن مؤتمراً كهذا لن يقدم شيئاً جديداً حاسماً، لا سيما وأن الانسحاب من الجبهات المباشرة هو الأمر الفعلي على الأرض، ناهيك عن تسريبات محاولات ترامب للتفاهم مع ايران، في ظل رفض ايراني للتنازل عن ثوابت المقاومة.  اذاً ما هو المسكوت عنه؟  تتطلب الاجابة هنا أولاً التذكير بالاستراتيجية الاوراسية، وموقع أوراسيا في الصراع الدولي، وكون السيطرة عليها مرادفة للسيطرة على العالم.  وأمريكا رغم كل تراجعاتها، لا يمكنها التخلي عن العقيدة الأوراسية بنسختها الاطلسية، والتي تتناقض مع الاوراسية الروسية  في عهد بوتين.  وباختصار شديد، فإن أمريكا لن تتخلى عن استراتيجيتين هامتين:  1 - منع التكتل الأوراسي لعدم طردها من القارة الاوراسية. 2 - اجتذاب قوى أوراسية للاحتفاظ بموطئ قدم دائم.  وبولندا هنا تشكل نقطة ارتكاز كبرى أمريكية، ولن تفرط أمريكا في مرتكز "حلف وارسو" السابق والذي كان بمثابة القطب المواجه للناتو، والذي شكل اختراقه فتحاً استراتيجياً أميركياً بعد انهيار الاتحاد السوفيتي.  والجميع يعلم مشروع الدرع الصاروخي الأميركي والمرتكز بالأساس على بولندا ورومانيا، والموجه للروس، والقواعد الأميركية المانعة للتكتل الاوراسي وتلاحمه من الصين وروسيا شرقاً الى أوروبا الغربية.  اذاً تخشى أميركا بعد التفوق الروسي الأخير في أوراسيا من فقدان نفوذها. وهنا يمكن تناول المؤتمر شكلاً وموضوعاً.  من حيث الشكل، فإن اختيار بولندا لا يخلو من أسباب ودلالات، أهمها:  الاحتفاظ بالنفوذ في بولندا وتكريسه وإقامة مؤتمر أميركي في ظل مقاطعة روسية، وهو ما يعمق الخلافات والهوة بين بولندا وروسيا ويقطع الطريق على أي محاولة تقارب تهدد النفوذ الأميركي المستحدث.  وهنا لا بد من ملاحظة أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين دشن مؤخراً أول محطة عائمة لتخزين الغاز الطبيعي المسال في مقاطعة كالينينغراد بأقصى غربي روسيا جعلت المنطقة مستقلة في مجال الطاقة عن دول الجوار.  وكالينينغراد هي الذراع الجيوستراتيجية - الروسية في مواجهة الدرع الامريكي، وهي المقاطعة المواجهة لاختراقات امريكا، فهي تطل على بحر البلطيق وتقع بين ليتوانيا وبولندا وتعد ذراعاً ممتدة ومنعزلة للأراضي الروسية.  وشدد الرئيس بوتين على أن إطلاق المحطة الجديدة التي تبلغ قدرتها 2.7 مليار متر مكعب من الغاز سنوياً، سيغطي جميع احتياجات المقاطعة، مشيراً إلى أن المشروع وهو الأول من نوعه في أراضي روسيا، يزيل مخاطر عبور الغاز عبر أراضي جيرانها نهائيا. ويبدو هنا أن بوتين على دراية بما يخطط له الامريكيون في محيطه!  ولا بد من ملاحظة دلالة تسمية المحطة باسم "مارشال فاسيليفسكي"، الذي كان ضمن صفوف الجيش الأحمر وشارك في معارك الحرب البولندية السوفياتية، ولعب دوراً كبيراً في التخطيط لاجتياح القوات السوفياتية لمواقع العدو في الدون الأعلى، كذلك الدونباس والقرم وبيلاروسيا ودول البلطيق منهيا الحرب باستيلائه على كونيغسبرغ "كالينينغراد" في إبريل 1945.  من حيث المضمون، يمكن استنتاج ما يلي:  1- تسعى أميركا لتكريس استراتيجيتها الأوراسية بمنع التكتلات واستمرار خرق القارة وتعميق تمركزها في البلطيق، واجتذاب دوله والاحتفاظ بموطئ قدم فيه.  2- تسعى للضغط على ايران عبر اجتذاب دول من آسيا الوسطى للمؤتمر وتحاول في الفترة الأخيرة تحييد "طالبان" كي لا تكون شوكة في خاصرة مخططات أمريكا في آسيا الوسطى ذات الأهمية الكبرى في الاستراتيجية الأوراسية.  3- محاولة تشكيل محور جديد مواجه لمحور المقاومة ذي بعد أوروبي آسيوي، بعد اتساع محور المقاومة عبر التقائه مع روسيا واتخاذه بعداً اوراسيا.  4- الضغط على أوروبا الغربية لعدم التفاهم مع ايران عبر اختراق أوروبي ولو شكلي.  لا شك أن محاولات تصفية القضية الفلسطينية تدور على قدم وساق، ولكن حصر التصفية بمؤتمر، هو خطأ تحليلي ينبغي الالتفات اليه.