2024-11-27 05:42 م

السعودية والرهان على امتصاص غضب بايدن

2021-01-10
تستعد المملكة العربية السعودية وتحديداً الأمير محمد بن سلمان ولي العهد، لترتيب أوراقها من جديد على ضوء التطورات الحاصلة في الولايات المتحدة مع وصول إدارة جديدة إلى البيت الأبيض، وخسارة حليفها السابق دونالد ترامب الرئيس المنتهية ولايته الذي غطى كثيراً على حلفائه في الرياض.
وتصب بعض القراءات للوضع في منطقة الخليج، نحو التأكيد أن السعودية تقود تقارباً مع قطر، وعيونها على العلاقات مع أمريكا على ضوء الرسائل التي تبعثها الرياض إلى واشنطن قبيل استلام الرئيس المنتخب جو بايدن سدة الحكم.
وتحاول المملكة التقليل من نقاط الاحتكاك المحتملة بين الرياض والحكومة الأمريكية المقبلة، التي من المؤكد أنها ستكون أقل تسامحاً من إدارة الرئيس دونالد ترامب المنتهية ولايته، والذي حمى المملكة بشكل مستمر من الانتقادات لسجلّها في حقوق الإنسان.
وتأخذ الرياض محمل جد تصريحات الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن، وتأكيده أنه سينتهج خطاً أشد صرامة في هذه القضايا مع المملكة، عملاق تصدير النفط، وأحد كبار مشتري السلاح الأمريكي.
وتشعر السعودية بالريبة والخوف من تعهّد الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن بإعادة تقييم العلاقة مع الرياض على خلفية مسألة حقوق الإنسان، وفي نفس الوقت تسعى جاهدة لتوظيف بعض الأوراق التي تحوزها، لمنع حدوث شرخ كبير في العلاقات.
وتمتّع ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، الذي تزامن صعوده السريع إلى السلطة مع بداية رئاسة دونالد ترامب في عام 2016 بعلاقات وطيدة مع البيت الأبيض شكّلت شبكة حماية له من الكثير من الانتقادات.
لكن هزيمة ترامب تترك الحاكم الفعلي للدولة الخليجية، عرضة للمحاسبة المحتملة، من أقرب حليف غربي، مما قد يجعله أقل قدرة على الوصول إلى الدوائر الضيقة في واشنطن في وقت تواجه أجندته الإصلاحية مخاطر اقتصادية، وسط استمرار الحرب في اليمن المجاور.

بايدن غير ترامب

بينما قدّم الرئيس المنهزم دونالد ترامب وصهره جاريد كوشنر كبير مستشاريه، الدعم الكامل لوريث العرش السعودي، تعهّد جو بايدن بالمقابل وعلناً بإعادة تقييم العلاقة.
وانتقد ما وصفه بـ”شيك على بياض خطير” من ترامب للمملكة، وتعهّد بمواصلة السعي وراء تحقيق العدالة في قضية مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي في 2018 على يد أفراد سعوديين، وبمراجعة مبيعات الأسلحة الأمريكية بسبب الحرب الكارثية في اليمن.
وتعرضت السعودية، التي حشدت التأييد بقوة لحملة ترامب، لتوقيع أقصى ضغط على إيران، لتمحيص دولي بشأن سجلها، مما يوحي أنها نهاية العصر الذهبي، مع البيت الأبيض، حيث كانت الرياض، آخر دولة خليجية تهنئ الديمقراطي جو بايدن بفوزه في السباق الرئاسي الأمريكي. ويعتقد خبراء أن الدلال الذي حظيت به الرياض سوف يتلاشى، فلن تكون بنفس الحظوة، حيث كانت المملكة أول دولة أجنبية يزورها ترامب بعيد انتخابه في أيار/مايو 2017 وأقام مع قادتها وخصوصاً ولي العهد الأمير الشاب، علاقات وطيدة للغاية.
وتناقضت علاقات ترامب هذه مع المملكة ودول الخليج الثرية الأخرى مع العلاقة الفاترة التي ربطت هذه البلدان الغنية بالنفط بسلفه باراك أوباما، الذي أثار إبرامه اتفاقاً مع إيران حول ملفها النووي، مخاوف السعودية وجيرانها.
ومنطلق المخاوف من عودة مسار العلاقة ما قبل عهد ترامب، كون بايدن كان نائباً لأوباما طوال ولايتيه الرئاسيتين.
فالرئيس المنتخب، بايدن، بخلاف الكثير من زملائه السياسيين، كان دائم التشكك في المملكة طوال مسيرته السياسية، حسبما نقل موقع “بيزنيس إنسايدر” الأمريكي. ونشر الموقع تقريراً استعرض فيه عدداً من الأدلة على احتمال تغير العلاقة بين الرياض وواشنطن.
وأكد أنه حين كان بايدن عضواً بارزاً في لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، أشار مراراً في خطاباته وحواراته إلى أن السعودية ليست بالضبط دولة صديقة موالية لأمريكا، بل هي أقرب إلى شريكٍ لتلاقي المصالح بينهما.
وفي حوار لعام 2004 مع “PBS” شكك بايدن في ما إذا كانت الولايات المتحدة تنتفع بأي شيءٍ من علاقتها الثنائية مع الرياض، وهذا التصريح اعتُبر هرطقة في ذلك الوقت، وفقاً لخبراء تحدثوا للموقع. لكنها كانت ملاحظة حصيفة بالفعل، فعلى ماذا تحصل واشنطن بالضبط من منح هذه الامتيازات للعائلة الملكية في السعودية؟

طيف المعتقلين والنشطاء

يعد ملف اعتقال الناشطات، وسجناء الرأي في الرياض، أحد أبرز الملفات التي تسعى السعودية لطيه قبيل تنصيب الرئيس الجديد في البيت الأبيض. وفي تقرير له نشر مؤخراً يقول فرانك جاردنر، محرر الشؤون الأمنية في “بي بي سي” إن هذه القضية مثلت كارثة للقيادة السعودية، في مجال العلاقات العامة الدولية.
فقد اعتقلت السلطات 13 ناشطة سلمية سعودية، وتعرضن في بعض الحالات لانتهاكات مروعة، بسبب “جريمة” واضحة تمثلت في مطالبتهن بحق قيادة السيارات وإنهاء نظام ولاية الرجل الجائر بشكل صارخ على المرأة.
واعتُقلت كثيرات في عام 2018 من بينهن لجين الهذلول، السجينة الأكثر شهرة، قبل رفع الحظر على قيادة المرأة للسيارة. ويؤكد مسؤولون سعوديون أن الهذلول متهمة بالتجسس و”الحصول على أموال من قوى أجنبية” لكنهم أخفقوا في تقديم أدلة تدعم ذلك، في حين يقول أصدقاؤها، إنها لم تفعل شيئا أكثر من حضور مؤتمر في الخارج، بشأن حقوق الإنسان، والتقدم بطلب وظيفة في الأمم المتحدة.

 كابوس حرب اليمن

وإلى جانب ملف حقوق الإنسان، تواجه الرياض متاعب مع الإدارة الجديدة في البيت الأبيض حول حرب اليمن.
ويمتعض الرئيس الجديد من هذه الأزمة، حيث أن بايدن صرح علناً في حملته الرئاسية 2020 إن السعودية دولة “منبوذة” وهذا المصطلح عادةً ما يقتصر على كوريا الشمالية وفنزويلا، وقائديهما كيم جونغ أون ونيكولاس مادورو.
ويشار إلى حرب اليمن، في عدة وسائل إعلام غربية، وفي تقارير لمنظمات حقوقية دولية، على أنها أكبر مأساة في التاريخ الإنساني، فبعد ست سنوات من الحرب، التي شنتها السعودية على رأس تحالف يضم عدة دول ضد الحوثيين، أسفرت الحرب عن مقتل ونزوح الآلاف من اليمنيين، في وقت أخفق فيه التحالف، في طرد الحوثيين من صنعاء ومعظم مناطق غرب اليمن.
ومع توالي التقارير عن المأساة، التي تسببها الحرب للشعب اليمني، كان الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، قد تراجع بالفعل في آخر فترته الرئاسية، عن تقديم بعض الدعم الأمريكي للحملة السعودية، لكن ترامب ومع فوزه بالرئاسة، انقلب على ذلك وقدم كل الدعم المادي والاستخباراتي للرياض، نكاية في إيران كما أشار بعض المراقبين.
أما الرئيس الأمريكي القادم جو بايدن، فينظر إليه على أنه مناهض لسياسات بن سلمان، فيما يتعلق بالحرب في اليمن، وكانت حملته، قد قالت بعد ترشيح الحزب الديمقراطي له رسمياً، إنه في حالة الفوز فـ”سنعيد تقييم علاقتنا بالسعودية، وننهي الدعم الأمريكي لحرب المملكة في اليمن”.

محاولة طي ملف مقتل خاشقجي

الملف الثالث الذي يؤرق حاكم الرياض الفعلي هو مقتل مواطنه والكاتب الصحافي جمال خاشقي، حيث لا تزال تفاصيل عملية الاغتيال ملفوفة بالكثير من الغموض، حول دور مرجح لمحمد بن سلمان.
ودعت، خديجة جنكيز، خطيبة جمال خاشقجي، الرئيس الأمريكي المنتخب، جو بايدن، إلى نشر التقرير السري لوكالة الاستخبارات الأمريكية حول مقتل الصحافي السعودي داخل قنصلية بلاده في إسطنبول. واعتبرت جنكيز، وفق ما نقلت صحيفة “الغارديان” البريطانية، أن الكشف عن التقرير سيساعد بشكل كبير في كشف الحقيقة.
وقالت الصحيفة إن التقرير الاستخباراتي السري لم ينشر أبداً، غير أن وسائل إعلام ذكرت، بدون تقديم تفاصيل، إنه يخلص بدرجة ثقة متوسطة إلى عالية إلى أن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان أمر بالقتل.
وتعتقد جنكيز ونشطاء آخرون أن نشر التقرير، سيثبت أن بايدن ملتزم بجعل الرياض “تدفع ثمن جريمة القتل” كما وعد خلال الحملة الانتخابية. ونقلت مصادر أمريكية نقلاً عن جهات مطلعة من فريق المرحلة الانتقالية للرئيس المنتخب قوله، إن بايدن متمسك بما قاله في الحملة الانتخابية فيما يتعلق بمقتل جمال خاشقجي.
وأضاف ذات المصدر “نحن نعلم أنه لا يزال هناك عمل يتعين القيام به، بما في ذلك توفير الشفافية اللازمة”.

الرياض تخطب ود الإدارة الجديدة

كشفت وثائق رسمية عن جهود تبذلها السلطات السعودية لتحسين صورتها مع قرب تولي إدارة أمريكية جديدة بقيادة الديمقراطي، جو بايدن، مقاليد الرئاسة، والذي كان قد تعهد خلال حملاته الانتخابية بأنه “سيعيد تقييم” علاقة الولايات المتحدة بالمملكة إذا ما تولى المنصب رسميا.
وفي ظل احتمالية أن تتوتر العلاقات بين واشنطن والرياض في ظل إدارة بايدن، قامت السعودية بتوظيف بعض جماعات الضغط لديها صلات بقادة الكونغرس الجمهوريين، بحسب تقرير لموقع “سي أن بي سي”.
تمتلك الرياض ورقة مساومة رئيسية مع إدارة بايدن وهي الموافقة على تطبيع العلاقات مع إسرائيل، بعد توسط إدارة ترامب في العلاقات الدبلوماسية بين إسرائيل والإمارات والبحرين والسودان والمغرب.
بينما تحافظ السعودية على علاقات أمنية هادئة مع إسرائيل في مواجهة إيران، واتخذت خطوات صغيرة لتليين العلاقات – مثل فتح المجال الجوي للرحلات الجوية التجارية الإسرائيلية – إلا أنها أوقفت حتى الآن فتح العلاقات بشكل كامل بسبب التزام العاهل السعودي الملك سلمان الفلسطينيين.
وقال آرون ديفيد ميللر، الزميل البارز في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي: “قرر السعوديون اتخاذ خطوة أخرى نحو التطبيع مع إسرائيل، فسوف يرون هذا كوسيلة لتنشيط علاقتهم المتدنية للغاية مع ما يتوقعونه من إدارة بايدن القادمة”.
وتراهن الرياض على نقاط تعتبرها مصدر قوة للمحافظة على دفء العلاقة مع واشنطن.
ويقول خبراء إن العلاقات العسكرية والاقتصادية القائمة منذ عقود، والتي تشمل مكافحة الإرهاب معاً، والحفاظ على الاستقرار في أسواق النفط، من غير المرجح أن تنقلب رأساً على عقب. وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة قلّصت اعتمادها على النفط السعودي في السنوات الأخيرة، إلا أنّ المملكة لا تزال زبوناً رئيسياً للمقاولين العسكريين الأمريكيين.
ويؤكد المتابعون أن بايدن سيحتاج إلى العمل مع حكّام السعودية بشأن مجموعة من القضايا الساخنة في المنطقة، بدءاً من مواجهة النفوذ الإقليمي لإيران، إلى محاربة تنظيم الدولة الإسلامية المتطرف الذي عاد للظهور مؤخراً.
وقال ديفيد رونديل الدبلوماسي السابق الرفيع المستوى في السفارة الأمريكية في الرياض لوكالة “فرانس برس” إن “إدارة بايدن ستّتخذ بلا شك موقفاً أكثر تشدّداً في ما يتعلّق بحقوق الإنسان من سابقتها، لكن من غير المرجح أن تتخلّى تماماً عن الشراكة السعودية الأمريكية”.
وأضاف رونديل الذي ألّف كتابا عن السعودية “بينما أصبحت الولايات المتحدة أكثر استقلالية في مجال الطاقة، فإنّ الحلفاء الأمريكيين المهمين مثل اليابان وكوريا لم يفعلوا ذلك”.
وستكشف الأيام الأولى من ولاية الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن إلى أي مدى سيتجه منحى العلاقة بين الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة العربية السعودية.
(القدس العربي