2024-11-26 12:55 ص

السلالة «دلتا»: خصائصها، خريطة انتشارها وفعّالية اللقاحات

2021-07-13
بعد مرور أكثر من عام ونصف عام على ظهور وباء «كورونا»، لا تزال الحرب مستمرة بين البشر والفيروس. يعتمد الإنسان في هذه الحرب على اللقاح كسلاح أساسي. أكثر من ثلاثة مليارات و400 مليون جرعة تمّ إعطاؤها حتى الآن. وتستمر عملية التلقيح بوتيرة متصاعدة من أجل الوصول إلى المناعة المجتمعية، على أمل السيطرة على فيروس «كورونا». على المقلب الآخر، لا يزال الفيروس ينتشر بحرّية، حيث تجتاح العالم حالياً موجة جديدة من الوباء بطلتها السلالة الهندية «B.1.617.2» المعروفة بالسلالة «دلتا». الجميع يراقب بقلق ويتساءل عن خصائصها، خريطة انتشارها وقدرة اللقاحات على الحماية منها.


خصائص «دلتا»

ظهرت هذه السلالة أواخر العام الماضي في الهند، وتُعتبر أسرع انتشاراً من كل السلالات السابقة. أسرع بنسبة 50-60 في المئة من السلالة البريطانية «B.1.17» (ألفا)، التي كانت بدورها أسرع بنسبة 50 في المئة من سلالة ووهان الأساسية. أيضاً السلالة «دلتا» تتسبب في دخول المستشفى لدى الأشخاص غير الملقّحين مرّتين أكثر من السلالة البريطانية «ألفا». العديد من الدراسات حدّدت بعض الأسباب وراء هذا الانتشار السريع، نذكر منها:

1- البروتين الشوكي «السبايك» (Spike) المسؤول عن التعرّف والدخول إلى خليّة الانسان، أصبحت لديه القدرة على الالتصاق بسطح خلية الإنسان بثبات وقوة أكثر من باقي السلالات بسبب الطفرات الخاصة بهذه السلالة.

2- السلالة «دلتا» تتكاثر داخل جسم المصاب أكثر من باقي السلالات، الأشخاص المصابون بهذه السلالة يحملون كمّية أكبر من الفيروس مقارنةً بالأشخاص المصابين بالسلالة البريطانية «ألفا».

3- المناعة المكتسبة باللقاحات أو من إصابة سابقة، أصبحت أقلّ فعالية ضد السلالة «دلتا» مقارنةً بفعاليتها ضد السلالة البريطانية «ألفا».

خريطة الموجة الجديدة

بدأت السلالة «دلتا» في الهند أواخر العام الماضي، وبسرعة أخذت مكان السلالة البريطانية «ألفا» التي كانت تُعتبر الأسرع انتشاراً والسبب الرئيسي للموجة السابقة التي اجتاحت الكثير من الدول منها لبنان، بداية العام الحالي. انتقلت «دلتا» إلى الدول المجاورة للهند في جنوب شرق آسيا، مثل نيبال وأندونيسيا وماليزيا وبنغلادش وميانمار وتايلاند وفييتنام، حيث نلاحظ حالياً أرقاماً قياسية غير مسبوقة منذ ظهور الوباء. أيضاً نلاحظ تمدّد الوباء صعوداً نحو كوريا الجنوبية واليابان ومنغوليا وروسيا وباقي دول الاتحاد السوفياتي السابق، حيث تشهد ارتفاعاً كبيراً في الإصابات اليومية. اللافت هنا أن الدولة الوحيدة في هذه المنطقة من العالم التي لم تتأثر بالموجة الجديدة هي الصين، بالرغم من امتلاكها حدوداً برية مع العديد من هذه الدول، والسبب هو اعتماد الصين على استراتيجية «صفر كورونا» منذ بداية الوباء:

1- إجبارها جميع الوافدين على الخضوع لحجر إجباري لمدة أسبوعين في فنادق خاضعة لرقابة مشددة.

2- إجراء فحص «PCR» عند بداية الحجر، وإعادة الفحص عند نهاية الحجر.

بالنسبة إلى القارة الأميركية، الأشهر والأسابيع الماضية شهدت انتشاراً كبيراً للوباء في جميع دول أميركا الجنوبية. السلالة البرازيلية «P.1» (غاما) هي الأكثر انتشاراً في هذه الدول. في الآونة الأخيرة، لاحظنا دخول السلالة «دلتا» إلى هذه الدول لكن بنسبة متواضعة حتى الآن، السبب أن تفشي السلالة البرازيلية دفع بالسلطات في هذه الدول، كما في باقي دول العالم، إلى التشدد في إجراءات السفر من وإلى أميركا الجنوبية، الأمر الذي خفّف من انتشار «دلتا» حتى الآن. الوباء تمدّد صعوداً حتى كوبا التي تشهد ارتفاعاً غير مسبوق في عدد الإصابات، وإلى المكسيك، حيث عادت الإصابات اليومية إلى الارتفاع مجدداً. إذاً، الموجة الجديدة أصبحت على حدود الولايات المتحدة التي بدأت بالاستعداد، خصوصاً مع تجاوز نسبة «دلتا» حاجز الـ40 في المئة من الإصابات اليومية.

في أفريقيا السيناريو مشابه، بدأت الموجة الجديدة في جنوب أفريقيا وتدريجياً تمدّدت صعوداً نحو دول أفريقيا الوسطى وشمال أفريقيا. السلالة الأكثر انتشاراً هي السلالة الجنوب أفريقية «B.1.351» (بيتا). في الآونة الأخيرة، دخلت «دلتا» إلى أفريقيا ولكن نسبة انتشارها غير معروفة حتى الآن بسبب ضعف عملية الترصّد الوبائي. على الأرجح ستشهد الأسابيع المقبلة ارتفاعاً في عدد الاصابات، وهناك تخوّف من سيناريو مشابه للذي شاهدناه في الهند، بسبب الإمكانات الصحية المتواضعة وتدنّي نسبة التلقيح التي لم تتجاوز الخمسة في المئة.

أمّا في أوروبا، فقد أدّت حملة التلقيح الواسعة وإجراءات الإغلاق التي امتدت لأشهر عديدة إلى انخفاض كبير في عدد الإصابات اليومية. لكن أخيراً، وبعد تخفيف الإجراءات والعودة تدريجياً إلى الحياة الطبيعية، دخلت السلالة «دلتا» إلى بريطانيا، وسريعاً عادت أرقام الإصابات للارتفاع؛ أكثر من ثلاثين ألف إصابة يومية والرقم بارتفاع مستمر، وأصبحت هذه السلالة تشكل 99 في المئة من الإصابات اليومية.

الأمر ذاته نلاحظه في كل أوروبا، حيث بدأت أعداد الإصابات بالارتفاع مجدداً وأصبحت السلالة «دلتا» تشكل أكثر من 50 في المئة من الإصابات اليومية، بعد أن كانت لا تتعدى الخمسة في المئة في النصف الأوّل من شهر حزيران الماضي. المركز الأوروبي للأوبئة توقّع أن تتخطى السلالة «دلتا» حاجز الـ90 في المئة من الإصابات اليومية في شهر آب المقبل، وهذا سيؤدي حتماً إلى موجة رابعة في أوروبا. الأخيرة، بدأت ملامحها في الظهور، وبدأت تتردد مناشدات للعودة إلى التشدد في تطبيق إجراءات التباعد والحد من التجمّعات في العديد من الدول الأوروبية، مثل: فرنسا، إسبانيا، البرتغال، هولندا. في فرنسا، مثلاً، سيصبح «الباسبور المناعي» إلزامياً للدخول إلى المقاهي، المطاعم، المراكز التجارية، القطارات والطائرات ابتداءً من أوّل آب المقبل.
المناعة والسلالة «دلتا»

أكثر من 3.4 مليارات جرعة لقاح تم إعطاؤها حتى الآن مع معدّل 37 مليون جرعة في اليوم، معظمها في الدول الغنية، الصين وحدها 1.4 مليار جرعة مع معدل 17 مليون جرعة يومياً. على الرغم من ضخامة هذه الأرقام فإننا لا نزال بعيدين من المناعة المجتمعية (تلقيح 70 في المئة من سكان العالم). ومع انتشار «دلتا» بدأت التساؤلات حول فعّالية اللقاحات ضد هذه السلالة، وهل يجب إرسال اللقاحات بكمّيات كبيرة إلى الدول الفقيرة لحماية كبار السن هناك أم يجب البدء بتلقيح المراهقين في الدول الغنية؟

في فرنسا، كانت لافتة التوصية الصادرة عن الأكاديمية الفرنسية للطب، والتي اقترحت إلزامية اللقاح لمن هم فوق سن الـ 12 عاماً. هذه التوصية جاءت بعد تزايد أعداد المصابين تحت سن الـ 18 عاماً الذين بالرغم من العوارض الخفيفة التي تصيبهم فإنهم قد ينقلون الفيروس إلى كبار السن. وفي حال تم التأكد من تدني فعالية المناعة المكتسبة من اللقاحات مع مرور الوقت، أو نتيجة ظهور سلالات جديدة أقل تأثراً بهذه المناعة، عندها ستصبح حياة كبار السن الملقّحين في خطر. لكنّ الرئيس الفرنسي أصدر، كخطوة أولى، قراراً بإلزامية اللقاح للعاملين في المجال الطبي وإعطاء جرعة لقاح ثالثة في أيلول المقبل لكبار السن ولأصحاب المناعة الضعيفة الذين حصلوا على اللقاح في كانون الثاني وشباط مطلع العام الحالي. هذه القرارات قد تكون لأسباب سياسية بسبب اقتراب موعد انتخابات الرئاسة، أو أن الخبراء الفرنسيين بدأوا ملاحظة انخفاض في فعالية المناعة المكتسبة من اللقاحات مع مرور الوقت.

هل اللقاحات تحمي من «دلتا»؟

الإجابة على هذا السؤال هي من جزءين: أوّلهما من خلال التجارب السريرية والمخبرية، وثانيهما من خلال أرقام العالم الحقيقي. في دراسة سريرية أجريت في بريطانيا بين شهرَي نيسان وأيار على حوالى ألف مصاب سبق أن تلقوا جرعة أو جرعتين من لقاح «فايزر» أو من لقاح «أسترازينيكا»، أتت النتيجة على الشكل التالي:

- جرعتان من «فايزر» تمنعان ظهور العوارض بنسبة 88 في المئة، في حال الإصابة بالسلالة الهندية «دلتا»، مقابل 93 في المئة في حال الإصابة بالسلالة البريطانية «ألفا».

- جرعتان من «أسترازينيكا» تمنعان ظهور العوارض بنسبة 60 في المئة في حال الإصابة بالسلالة «دلتا»، مقابل 66 في المئة في حال الإصابة بالسلالة «ألفا».

- جرعة واحدة من أحد اللقاحين تمنع ظهور العوارض بنسبة 33 في المئة في حال الإصابة بالسلالة «دلتا»، مقابل 50 في المئة في حال الإصابة بالسلالة «ألفا».

كما هناك دراسة مخبرية أجريت في جامعة «كامبريدج» (بريطانيا)، قارنت بين فعالية الأجسام المضادة «التحييدية»، المأخوذة من أشخاص سبق أن أصيبوا بفيروس «كورونا» العام الماضي، ضد سلالات: ووهان الأساسية، البريطانية «ألفا»، الجنوب أفريقية «بيتا»، والسلالة الهندية «دلتا». وقد أتت النتائج على الشكل التالي: مقارنةً مع سلالة ووهان، انخفضت فعالية هذه الأجسام المضادة ضد السلالة البريطانية بمعدل 2.3 أضعاف، وضد السلالة الهندية بمعدل 5.7 أضعاف، وضد السلالة الجنوب أفريقية بمعدل 8.2 أضعاف. وهذه الأرقام تقدّم لنا فكرة أوّلية عن نسبة فعالية المناعة المكتسبة من اللقاحات أو من إصابة سابقة.

ولكن حالياً لا نستطيع الاعتماد عليها كأرقام نهائية. ويجب المتابعة الدقيقة للمصابين في الدول ذات نسب التلقيح المرتفعة ومراقبة الملقّحين الذين سيدخلون المستشفى مع الأخذ في الاعتبار تاريخ أخذ اللقاح ونوعه حتى نستطيع تأكيد مدى فعالية اللقاحات ومدة الحماية التي تؤمّنها ضد السلالة «دلتا». النصف الثاني من هذا العام مهم جداً، لأنه بدأ يشهد موجة جديدة من وباء «كورونا» وهذا سيسمح لنا بدراسة فعالية اللقاحات ومدة الحماية التي توفرها في العالم الحقيقي، لدى الملايين من الملقّحين الذين سيصابون في هذه الموجة.

نقاط الضعف في حربنا ضد الفيروس

حتى الآن، لا يزال الفيروس ممسكاً بزمام المبادرة، السلالات الأربع المصنّفة حالياً مقلقة أو خطيرة (البريطانية، البرازيلية، الجنوب أفريقية والهندية) ظهرت جميعها أواخر العام الماضي، ولكن تم تصنيفها «مقلقة» نتيجة انتشارها الكبير بعد عدة أشهر على اكتشافها. إذاً نحن دائماً ننتظر الموجة الجديدة والسلالة الأكثر انتشاراً نصنّفها بالمقلقة وثم نبدأ بدراسة خصائصها. المشترك بين كل هذه السلالات هو سرعة الانتشار والقدرة على الهروب «من جزء» من المناعة المكتسبة باللقاحات. سبب هذا الهروب هو استخدام جميع الشركات («فايزر»، «أسترازينيكا»، «موديرنا»، «جونسون أند جونسون»، و«سبوتنيك-في»،...) لسلالة ووهان في تصنيع لقاحاتها، التي لم تكن تحتوي على طفرات في حمضها النووي بينما السلالات المقلقة تحتوي على العديد من الطفرات المهمّة وخاصةً في البروتين الشوكي «السبايك». ويمكن لنا أن نتخيّل، مستقبلاً، لو راكمت إحدى السلالات عدداً كبيراً من هذه الطفرات واستطاعت بنتيجتها الوصول إلى مرحلة الهروب الكلي من المناعة المكتسبة باللقاحات (وهو أمر غير مستبعد علمياً) عندها سنعود جميعاً ملقّحين وغير ملقّحين إلى نقطة الصفر.

في حربنا ضد «كورونا»، لا نزال بطيئين في تحديد السلالات المقلقة، يجب البدء في اعتماد تقنيات جديدة من أجل التحديد المبكر لهذه السلالات قبل انتشارها، من خلال اشتراك كل الدول في تحديد ودراسة تسلسل الحمض النووي لأكبر عدد ممكن من العينات واستخدام الذكاء الاصطناعي في دراسة تأثير مختلف الطفرات على خصائص الفيروس، مثل سرعة انتشاره وقدرته على الالتصاق بسطح خلية الإنسان أو الهروب من جهاز المناعة.
لبنان... الموجة الجديدة قريبة جداً؟

مع انحسار السلالة البريطانية «ألفا»، التي تسببت بموجة كبيرة بداية هذا العام مع تخفيف الإجراءات المتبعة وبدء توافد المغتربين، كان متوقعاً ظهور سلالة جديدة لتملأ الفراغ الذي تركته السلالة البريطانية. هذا ما حصل مع «دلتا» التي حجزت مكانها بسرعة وبدأت بالانتشار في كل لبنان. يومياً يدخل حوالى 10 آلاف مسافر عبر مطار رفيق الحريري الدولي، الرحلات في غالبيتها مليئة بالركاب، ويقوم مختبر «كورونا» في الجامعة اللبنانية بمجهود كبير من أجل إصدار النتائج خلال 24 إلى 36 ساعة من تاريخ الوصول. ويُراوح معدّل الإصابات اليومية بين 30 و40 إصابة، غالبيتها من السلالة «دلتا». أحياناً على متن نفس الرحلة نكتشف عدة إصابات. والعديد من الدراسات أكدت إمكانية انتقال الفيروس بين ركاب الطائرة. إذاً حتى المسافر الذي تصله رسالة نصية بنتيجته السلبية عليه الحذر وتجنب الاختلاط لأنه قد يكون التقط الفيروس أثناء الرحلة وستظهر عليه العوارض بعد عدة أيام من وصوله إلى لبنان. وأفضل طريقة لحماية نفسه وحماية عائلته هي بإعادة الفحص بعد خمسة إلى ثمانية أيام من تاريخ الوصول.

الموجة الجديدة أصبحت قريبة جداً، لكن لا أحد يستطيع التنبؤ بالمدى أو الحجم الذي ستأخذه. والسبب أننا لا نملك معلومات دقيقة عن نسبة الذين اكتسبوا مناعة في لبنان. بعض التقديرات تشير إلى أن حوالى 60 في المئة من سكان لبنان أصبحوا يملكون مناعة من إصابة سابقة أو من اللقاحات، هذه النسبة ستساهم في تخفيف حدة الموجة المقبلة لكن لن تمنعها. حالياً لا نملك سوى الالتزام بارتداء الكمامة، احترام قواعد التباعد الاجتماعي، والإقبال على أخذ اللقاح في أسرع وقت ممكن، لأن غالبية حالات دخول المستشفى والوفيات حول العالم هي لأشخاص غير ملقّحين.

المصدر: قاسم حمزة|الأخبار اللبنانية