2024-11-26 10:26 م

الأزمة السياسية في تونس تتسبب في انقسام داخل "النهضة"

2021-08-08
تعيش حركة النهضة التونسية انقساماً داخلياً أصبحت تتضح ملامحه بعد القرارات التي اتخذها الرئيس قيس سعيّد في 25 من يوليو/تموز 2021، رغم محاولات قياديين طمس الاختلافات، ومحاولة حلها في "البيت الداخلي".

وشهدت الدورة 52 من مجلس شورى حركة النهضة (هيئة القياديين)، يوم الخميس الماضي 5 أغسطس/آب 2021 خلافات حادة لم تعرف الحركة مثيلاً لها خلال العشر سنوات الأخيرة بعد الثورة، من بينها ضرورة إجراء المؤتمر 11 لتغيير القيادة الحالية.

وحسب المعلومات التي حصل عليها "عربي بوست" (موقع أمريكي متعاطف مع الإخوان ومنهم النهضة التونسية) فإن مجلس الشورى الذي عُقد يوم الأربعاء، وامتد لصباح يوم الخميس كان من المفروض أن ينعقد السبت الماضي، لكنه تم تأجيله بسبب خلافات حادة بين عدد من قياداته، التي طالب بعضها بتنحي راشد الغنوشي عن رئاسة الحركة، وتقديم نقد لسياسات الحركة.

وحمّل عدد من أعضاء مجلس الشورى القيادة الحالية للحركة مسؤولية الأوضاع التي آلت إليها تونس، منها التحالفات السياسية مع الأحزاب الأخرى التي لم تكن موفقة، وصد باب الحوار مع رئيس البلاد قيس سعيّد.

انقسام داخل حركة النهضة

ساهم الزلزال السياسي في قصر قرطاج مساء 25 يوليو/تموز 2021 في زلزال داخلي وسط حركة النهضة، باعتبارها الكتلة الأكثر تمثيلاً في البرلمان الذي تترأسه، والمعنية بشكل كبير بالقرارات التي اتخذها سعيّد.

وكشف محمد القوماني، النائب البرلماني عن حركة النهضة، أن "موقع راشد الغنوشي، رئيس الحركة، لم يكن موضوع خلاف داخل مجلس الشورى، والخلافات التي ظهرت بين القيادات تعود جذورها إلى خلافات سابقة لها علاقة بالمؤتمر 11 للحركة، الذي من المنتظر أن يُعقد في نهاية العام الحالي".

وترتكز الخلافات بين قيادة النهضة، حسب المعلومات المتوافرة لـ"عربي بوست" حول قيادة الحركة، إذ إن الأعضاء يُطالبون بعقد المؤتمر 11 في موعده المقبل دون تأجيل جديد، وذلك لتغيير القيادة الحالية.

وعن كواليس مجلس الشورى، يقول النائب البرلماني القوماني إن أعضاء المجلس اقترحوا حلّ المكتب التنفيذي للحركة وتعويضه بـ"خلية أزمة" محدودة العدد، وعُرض المقترح للتصويت، قبل أن ينسحب عدد من القيادات من الاجتماع، وهم في الأصل من قدموا المقترح، فكانت النتيجة التصويت بالرفض لقلة الأصوات".

وتنقسم محاور الخلاف داخل حركة النهضة إلى داخلية وعامة متعلقة بإدارة الشأن العام وشؤون الحُكم. ففي الجانب الأول، تُلام القيادة الحالية على عدم احترام مؤسسات الحزب، وأن قرارات كثيرة وقع اتخاذها من طرف رئيس الحزب ومقربين منه دون الرجوع إلى المكتب التنفيذي ومجلس الشورى.

أيضاً، يعتقد ما يُعرف بـ"التيار الإصلاحي" داخل "النهضة" أن بقية هياكل الحركة وكذلك عدد من رموزها التاريخية لا تقع استشارتهم أو الرجوع لهم في عدد من المسائل المصيرية، وبالتالي يُطالبون بحل المكتب التنفيذي، وفقدانه الصفة بما في ذلك راشد الغنوشي، أو تفويض هذا الأخير لمن يقوم مهامه احتراماً إلى رمزيته وقيمته في تاريخ حركة النهضة.

الجانب الثاني يتعلق بإدارة حركة النهضة للشأن العام واختيار الأولويات والتحالفات، مستجيبةً لقيم الثورة، إذ يُعتقد أن التحالفات التي كانت مع حكومة الفخفاخ مقبولة، وخاصة ما كان مع التيار الديمقراطي، على عكس الآن.

ويرى المعارضون للرئيس أن الغنوشي غلّب البُعد الحزبي على البُعد الوطني في محطات كثيرة هامة، من التوافق مع حزب نداء تونس، بعد انتخابات 2014، الأمر الذي كان تكتيكياً ونتائجه عادت بالسلب على البلاد، حتى أنه لم يُمكن تأسيس المحكمة الدستورية والهيئات الدستورية.

واعتبر المعارضون لسياسة الغنوشي أن التوافق مع "نداء تونس"، كان بين زعيمين سياسيين وهما راشد الغنوشي، والراحل القايد الباجي السبسي، لكن هذا التوافق لم يكن نهائياً بين المؤسستين الحزبيتين.

ويجد المعارضون أن الغنوشي وحده وليس الحزب من له علاقات مع كل الأطراف بما في ذلك المنظمات الوطنية والاجتماعية الكبرى التي يتواصل معها، كأن يعقد لقاءات مع أمين عام الاتحاد العام التونسي للشغل، ولكن في الأصل ليس ثمة تواصل حقيقي بين مؤسسات حركة النهضة وهياكل الاتحاد.

من جهة أخرى، عبّر التيار الإصلاحي داخل "النهضة" عن ضرورة أن تقدّم قيادة جديدة النقد الذاتي لا أن تقدمها القيادة الحالية، كما جاء في البيان الختامي لـ"شورى النهضة"، وأن هذا النقد ضروري ويجب أن يشمل التصورات للمجالات السياسية، والاجتماعية، والاقتصادية، والثقافية.

واعتبر التيار الإصلاحي داخل "النهضة" أن قيادة الحركة انتهجت مبدأ "الصراع" مع الرئيس قيس سعيّد منذ انتخابه، عوض البحث عن قنوات حوار دائمة، والتي تحتاجها تونس في هذه الفترة أكثر من أي وقت مضى.

ماذا بعد أزمة "النهضة"؟

قال النائب البرلماني الذي حضر اجتماع مجلس الشورى لحركة النهضة إن الخلاف الحاد الذي أفضى إلى انسحاب بعض قيادات الحركة من الدورة في ظرفية حساسة وطنياً وحزبياً سيكون له ما بعده.

وأضاف المتحدث أن "هناك خلافاً حقيقياً في تشخيص الأوضاع وفي اقتراح الحلول المناسبة، فضلاً على الخلاف الحاصل أصبح واضح حول المؤتمر 11 ورهان الانتقال القيادي من الغنوشي إلى شخص آخر".

وبسؤالنا عن إمكانية تعديل الفصل 31 من النظام الداخلي للحركة، الذي لا يسمح لراشد الغنوشي بمواصلة الرئاسة بعد المؤتمر القادم (المؤتمر 11)، أكد القوماني أن الأمر محسوم ولن يتم التعديل، ما يعني أن زعيم الحركة سيغادر القيادة في كل الأحوال.

ويمنع الفصل 31 من القانون الداخلي للحركة نفس الشخص من الترشح للمرة الثالثة، وصدرت في 15 سبتمبر/أيلول 2020 عريضة تطالب بعدم تعديل الفصل وقعها 100 من الأعضاء بينهم قيادات، كما صدرت عريضة ثانية قبل أسابيع وقعها 130 عضواً.

إعادة النظر في التحالفات

عبر أعضاءُ مجلس نواب الشعب والذين هم في ذات الوقت أعضاء مجلس الشورى، وأبرزهم سمير ديلو، ويامينة الزغلامي، وجميلة الكسيكسي، عن مواقف منتقدة للقيادة الحالية، على رأسها راشد الغنوشي.

وتحالفت "النهضة"، بعد الانتخابات التشريعية لسنة 2019، مع حزبي قلب تونس الذي يُلاحق رئيسُه نبيل القروي في قضايا فساد وتبييض أموال، ومع ائتلاف الكرامة الذي يثير ناطقه الرسمي سيف الدين مخلوف جدلاً دائماً في خطابه وسلوكه السياسي الذي يصفه المُتابعون بـ"الشعبوي".

وحسب المعلومات التي حصل عليها "عربي بوست" فإن مجلس شورى حركة النهضة تم تداول فيه مسألة التحالفات ما قبل سنة 2019 وما بعدها، وعلاقتها بتعثر المسار الديمقراطي.

وقال النائب البرلماني التونسي القوماني إن حركة النهضة بالتأكيد ستعيد دراسة تحالفات ما بعد 25 يوليو/تموز، والتي بالتأكيد ستكون مختلفة عما قبلها (في إشارة إلى إمكانية فك الارتباط بالحليفين الحاليين).

وأضاف المتحدث أن خارطة الأغلبية البرلمانية الممكنة في حال عاد مجلس نواب الشعب إلى نشاطه، فشروط التحالف مع الكتلة الديمقراطية (الثانية في البرلمان) تبدو معقدة بحكم تباين المواقف من حدث 25 يوليو 2021، والخلافات بين الطرفين منذ إعلان نتائج الانتخابات الأخيرة.

وأشار المتحدث إلى أن "تخلي النهضة عن حليفيها سيجعلها دون سند سياسي قوي، كما أنه يُستبعد أن تتوصل النهضة إلى تحالفات مع الكتل البرلمانية الصغيرة، التي لا تبدو مواقفها الحالية من قرارات سعيد ثابتة إلى حد الآن".

وقال محمد القوماني إن "الخلاف في دورة الشورى حول تشخيص الأزمة وحلولها ومعالجتها سياسياً وتنظيمياً سيُلقي بظلاله على مستويات أخرى في الحركة ومن بينها كتلة النهضة في البرلمان".

واعتبر المتحدث أن "المنعرجات السياسية والأجواء المشحونة تؤدي أحياناً إلى قرارات مستعجلة، قد يتم التراجع عنها لاحقاً، ولكن الخلاف صار واضحاً في صفوف القيادات".

"النهضة" وسعيّد

عبر مجلس الشورى بوضوح عن مد اليد إلى رئيس الجمهورية لحوار سياسي لإنهاء الإجراءات الاستثنائية "التي لن تحل المشكلة"، حسب تصريح القوماني.

وعبر الشورى عن الاستعداد للتعاطي الإيجابي مع ما يمكن أن يُساعد على الخروج من الأزمة وعودة البرلمان إلى مهامه "مع تحسين أدائه وإعادة ترتيب أولوياته".

وجمع الشورى في موقفه بين التمسك بالموقف الرافض لـ"الانقلاب" ومرونة في التعاطي مع المرحلة الجديدة.

وبيّن عضو الشورى محمد القوماني أن هذا الموقف من شأنه أن "يُجنب أنصار النهضة المواجهة مع الدولة والانجرار إلى العنف.. والمراهنة عوض ذلك على الحوار والحلول السياسية".

وقال القوماني إن "المجلس قد ثبت الموقف المبدئي للحركة من القرارات الرئاسية التي خرقت الدستور والتي مثلت انقلاباً عليه، وخرج ببيان اعتبر فيه قرارات سعيّد انقلاباً على الدستور، يحتاج إلى الحوار".

وأضاف المتحدث أن "الحزب أخذ بعين الاعتبار تلك القرارات التي لاقت دعماً وتأييداً في أوساط شعبية وسياسية، ووقفت معها مؤسسات الدولة من جيش وأمن وصارت أمراً واقعاً".

(عربي بوست)