2024-11-26 04:30 ص

قلق خليجي من صعود «الاخوان» ربطا بحرب غزة

منذ خطاب الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما في جامعة القاهرة، في حزيران 2009، عن «بداية جديدة بين أميركا والعالم الإسلامي»، فُتحت صفحة جديدة في العالم العربي والمنطقة والعالم الإسلامي. حدث الربيع العربي وتبدّلت أحوال الدول العربية، من مصر إلى المغرب العربي، وإلى سوريا حيث فرضت التظاهرات وما بعدها واقعاً جديداً. في هذا المشهد المتبدّل جذرياً، أطلّ متغيّر جديد فرض إيقاعه على الحالة العربية والإسلامية، تمثّل بظهور الإخوان المسلمين علناً وصعودهم الصاروخي في مصر وتأثيراتهم في بعض الاتجاهات العربية، والمخاوف التي أثارها هذا الصعود، والتكتلات التي جرت لاحقاً لإسقاط هذه الظاهرة، بعدما كاد الاعتراف بها يصبح أمراً واقعاً، مع كل ما كانت تحمله من عناصر شكّلت، للمرة الأولى منذ سنوات طويلة، وصولاً إلى السلطة بكل المفاعيل التي أحدثتها.في هذا المشهد، شذّت سوريا ولبنان عن الخضوع لهذا المتأثّر. في سوريا، ليس فقط بسبب قمع المعارضين، بل كذلك لخلاف جذري في النظرة إلى جماعة الإخوان والحركات الإسلامية التي خرجت من رحمها كحماس. لم تتقبّل سوريا يوماً واقع حماس، وتصرّفت من واقع مغاير للعلاقة التي بنتها إيران مع التنظيم الفلسطيني الذي ثبّت قواعده تدريجاً في قطاع غزة، ورغم قوة الحضور الإيراني الذي تمكّن من فرض شروطه وحضوره في سوريا، إلا أن العلاقة مع حماس بقيت إحدى أكثر الحلقات صعوبة في تعامل النظام معها، بخلاف ما ترتئيه طهران.
أما في لبنان، فقد كان الجو الإخواني عادة أقرب إلى تركيا الحديثة بما مثّله الصعود الإسلامي فيها. ومع بروز الجماعة الإسلامية، ولا سيما في مرحلة ما بعد عام 2005، أصبح جو الجماعة أقرب إلى الخطاب الإسلامي العربي المعتدل. لكنّ المتغيّر الذي حدث السنة الماضية أن اختارت الجماعة الإسلامية في بيروت قيادة جديدة تختلف في نمطها ومسارها عن السابقة، وتم التعامل معها على أنها اتجاه مقرّب من حزب الله ومن المحور الإيراني، فيما بقي بعض كوادرها ونائبها عماد الحوت خارج هذا الاتجاه. ومع حرب غزة ثبّتت الجماعة هذا الاتجاه من بوابة الجنوب، ولكن في مشهد بقي عابراً وغير مؤثّر بالمعنى الحقيقي، كونه بقي تحت جناح حزب الله.
ما يحصل اليوم من عودة المشهد الإسلامي إلى الساحة العربية عبر غزة، أعاد طرح الموضوع من زاوية احتمالات ضخّ إيران استثمارها السياسي والأمني في هذا الاتجاه الذي يمكن أن يتعزز في المنطقة، بخلاف ما تعمل عليه تركيا والأردن ومصر، وبطبيعة الحال الدول الخليجية. في الأسابيع الأخيرة، تشدّدت تركيا في إبقاء قيادات وشخصيات إخوانية، وفي مواجهة صعود إخواني كانت إلى الأمس القريب تسعى إلى امتلاك ورقته في المنطقة. وتزامناً مع زيارة الرئيس رجب طيب إردوغان لمصر، عاد ملف الإخوان إلى الواجهة عن طريق المحاكمات ومحاولة مصر قمع أي تحرك خارج النطاق المحصور بدعم حماس. وإذا كان الأردن يسلك تلقائياً المسلك نفسه، فإن حرب غزة أعادت إلى دول الخليج هواجس الصعود الإخواني، لتعمل بقوة على فصل مسار التضامن مع غزة إنسانياً عن أي محاولة لتبنّي قضية حماس ومستقبلها. فيما بقيت قطر تتصرف من منطلق حيادي وسطي بين دول الخليج وإيران والإسلاميين.
في لبنان وسوريا، تنظر جهات سياسية إلى واقع حماس ومستقبل العلاقة التي تبنيها إيران مع قوى إسلامية، من خلال ما أفرزته إلى الآن حرب غزة. وليس تفصيلاً أن يستعاد مشهد القوى الإسلامية في الصورة العامة للمنطقة، من خلال تيارين، إيراني يسعى إلى التنسيق مع قوى إسلامية سُنية تدور في فلكها، ودول عربية مع تركيا تسعى إلى تحجيم هذا النمو المطّرد في الظرف الإقليمي الراهن. وبينهما تصبح سوريا الخاصرة الرخوة التي لا تريد أن يستعيد أي وجه من وجوه الإخوان حضوره في سوريا، لذا تتضاعف رسائلها إلى دول الخليج ذات المصلحة المشتركة في عدم تفعيل هذه الاتجاهات الإسلامية. وهي مدركة لدقّة الموقف في تعامل إيران مع اتجاه إسلامي تتفاعل معه في قضايا المنطقة وفي وجه إسرائيل.
في لبنان، لا تزال هذه الحالة تحت المعاينة، لأنها لم تتحوّل بعد إلى قوة في ذاتها ولو بدعم إيراني. ولعل اهتمام بعض الدوائر الخارجية فيها، مردّه إلى أن البدائل لم تعد حاضرة بالقوة التي كانت عليها الساحة السنية، قبل سنوات. وقد تكون عودة الرئيس سعد الحريري أحد أوجه هذا الاهتمام، لجهة التعامل معه خارجياً على أنه خط الاعتدال المطلوب في الساحة السنية، ويمكن أن يصبح مطلوباً أكثر بعد حرب غزة. لكنّ عودة الحريري لمواجهة مثل هذا الصعود تحتاج إلى إطار أشمل وأوسع، ولا سيما بعد زيارته المؤقّتة الأخيرة، بما حملته من أخطاء سُجلت عليها إماراتياً وسعودياً.
في كل ذلك، لا تزال الفكرة الأساسية التي يتحول فيها الاهتمام نحو الحالة الإسلامية بعد حرب غزة، تختصر كل التفاصيل، ترقباً لتطور الاتجاه الإيراني، وكيف ستتعامل دول الخليج العربي مع نمو محتمل لهذه الحالة.


المصدر: الاخبار اللبنانية| هيام القصيفي