2025-02-22 10:51 ص

صفقة وسط القاهرة التاريخية... تطوير أم بيع لشركات إماراتية؟

2025-02-21

تندفع الحكومة المصرية نحو استثمار أصول الدولة والمباني العامة في وسط القاهرة ومصر القديمة وجبل المقطّم وشاطئ النيل، إضافة لما أسندته من موانئ إلى شركات إماراتية تستحوذ حاليا على معظم المشروعات التي طرحتها الدولة منذ 2021 -2024، يقودها الصندوق السيادي الإماراتي وشركات إعمار والعتيبة و"غلوبال فينتشرز"، التي تخطط للسيطرة على أراضي جزيرة الوراق وشاطئ النيل في المنيل، بالتوازي مع بيع فنادق وعقارات تاريخية إلى شركات إماراتية ومستثمرين آخرين بأنحاء البلاد.

وتهرول الحكومة إلى تنفيذ "صفقة إنقاذ جديدة" عبر مشروع تطوير وسط العاصمة التاريخي، على غرار صفقة بيع مدينة رأس الحكمة للصندوق السيادي الإماراتي بمبلغ 35 مليار دولار عام 2024، كبحت اندفاع مصر إلى هاوية الإفلاس وساهمت في سداد جزء من أقساط ديون ارتفعت إلى 162 مليار دولار في يوليو/ تموز 2024.

ويأتي ذلك بينما تواجه الحكومة أزمة مالية حادّة جراء تراجع حصيلة البلاد من العملة الصعبة من عوائد قناة السويس والبترول والصادرات، وانتهاء عصر القروض الرخيصة في ظل اضطراب أسواق المال، مع تأخّر صندوق النقد الدولي عن صرف الدفعة الرابعة وقرض تكميلي قيمتهما 2.5 مليار دولار في وقت تحتاج فيه إلى سداد نحو 914 مليون دولار من أقساط الدين للصندوق خلال الأسبوع المقبل حداً أقصى.

ملامح صفقة تطوير وسط القاهرة
كشف رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي عن تكليفه مكتبا استشاريا لوضع رؤية متكاملة لتطوير منطقة وسط القاهرة، وطرح المنشآت الحكومية والعامة المملوكة للدولة أمام الكيانات الاستثمارية الدولية أو المحلية للمشاركة في تنمية المنطقة.

وقال، أول من أمس الأربعاء، إن كيانات استثمارية عديدة، في الداخل أو الخارج، أبدت اهتماماً شديداً بالمشاركة في مشروع الحكومة الهادف إلى تطوير منطقة وسط القاهرة، فضلاً عن مناطق أخرى، مثل الساحل الشمالي الغربي والبحر الأحمر.

وأضاف مدبولي، في مؤتمر صحافي، أن الحكومة تدرس تنفيذ (وطرح) المشاريع العقارية والسياحية في مناطق التطوير المستهدفة، مشيراً إلى تكليف مكتب استشاري بوضع رؤية متكاملة لتطوير المنطقة التاريخية في قلب العاصمة القاهرة. وتابع أن رؤية التطوير تشمل طرح المنشآت التي تملكها الدولة في وسط القاهرة أمام القطاع الخاص، بعدما انتقلت ملكيّتها إلى صندوق مصر السيادي، وانتقال الوزارات الحكومية إلى العمل من العاصمة الإدارية الجديدة، وتحويل مبانيها إلى منشآت فندقية وتجارية.

وعما تردد بشأن منح أحد رجال الأعمال الإماراتيين حق التطوير، قال مدبولي إن مشروع تطوير منطقة وسط القاهرة كان من موضوعات ناقشتها اللجنة الخاصة بتصدير العقار أخيراً، وشدّد على أهمية التنسيق بين الحكومة والصندوق السيادي قبل الإعلان عن مخطط التطوير، لأن الصندوق هو المالك حالياً للعقارات والأصول المملوكة للدولة في هذه المنطقة.

وفي تصريح متلفز، أوضح أستاذ العمارة والصيانة والترميم وعضو اللجنة العليا بجهاز التنسيق الحضاري، أسامة النحاس، أن مشروع تطوير منطقة وسط القاهرة، يشمل تطوير منطقة القاهرة الخديوية التي تضم 500 عقار ذا طراز معماري فريد، وتطوير حديقة الأزبكية، وإزالة التعديات التي أجريت على واجهات المباني التاريخية والإشغالات التي تشوه الصورة البصرية، وتخصيص عدد من شوارع المنطقة للمشاة فقط.

مفاوضات إماراتية
كان رجل الأعمال الإماراتي، مؤسس شركة إعمار العقارية محمد العبّار، قد قال إن مفاوضات بدأت بين شركته والحكومة المصرية من أجل المساهمة في تطوير مباني وسط القاهرة، وأن مخطط التطوير يهدف إلى تحويل هذه المنطقة التاريخية إلى مشروع مثل "داون تاون دبي"، الذي يستقطب أكثر من مائة مليون زائر سنوياً.

وصرّح بأن تاريخ مصر من الآثار والمشروعات السياحية يجعلها قادرة على جذب سائحين بأعداد كبيرة، قد تصل إلى 70 مليون زائر سنوياً بدلاً من 15 مليون زائر حالياً. وأفاد بأن منطقة وسط القاهرة تحتاج إلى التخطيط الجيد لإقامة المشاريع المتنوعة، وإنشاء كثير من الفنادق والمطاعم والمحال التجارية، على غرار منطقة داون تاون في دبي.

وأثارت تصريحات العبار حالة من الغضب عبر مواقع التواصل الاجتماعي في مصر، إذ كتبت أستاذة التخطيط العمراني في جامعة القاهرة، جليلة القاضي، عبر صفحتها في فيسبوك، قائلة: "علمت أن العبار وضع يده على منطقة وسط البلد، ويرغب في خرابها من خلال تحويلها إلى دبي تاون، بعد استيلاء الصندوق السيادي على مباني شركات التأمين وطرحها للاستثمار".
وأضافت: "بدأوا في تفريغ العمارات الخديوية من سكانها وشاغليها، وهي من أعلى البنايات قيمة وأقدمها، ويعود تاريخ إنشائها إلى عام 1911، ومهندسها هو أنطونيو لاشياك مصمم بنك مصر. وجاء وزير الاستثمار بصحبة رئيسة مجلس إدارة شركة مصر للأصول العقارية لزيارة عمارتي، وهي من تصميم جورج بارك، وشيّدت عام 1928".
وقال المفكر كمال زاخر: "ارفعوا أيدي التخريب ومحو الهوية الحضارية عن القاهرة الخديوية، التي أطلق عليها كتاب الغرب: باريس الشرق. منطقة وسط القاهرة تمثل بداية العمران المصري في صورته الحديثة، خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر، والحفاظ عليها وإعادة بعثها إلى الحياة حق علينا لأجيالنا القادمة وللعالم والحضارة؛ أما عرضها استثماراً عقارياً يبادر بهدمها وتحويلها إلى كتل إسمنتية فجة فهو جريمة لا تغتفر".

ووافق المجلس الأعلى للتخطيط والتنمية العمرانية، في يوليو/ تموز 2023، برئاسة رئيس الوزراء، على طلب الصندوق السيادي تغيير الاستخدام الكامل لمبني مجمع التحرير ليصبح فندقاً، ضمن خطّة شاملة تهدف إلى إعادة استخدام مباني الوزارات والإدارات الحكومية وسط العاصمة، وتخطيط المناطق المحيطة والمتصلة بها.

ويهدف الصندوق إلى عرض أصول مملوكة للدولة للبيع للمستثمرين المصريين والأجانب، منها مبنى مجمع التحرير ووزارة الداخلية وخمسة أصول أخرى بعد نقل ملكيتها بالكامل إلى الصندوق. وقد ألغى قرار رئاسي صدر 2020 حالة المنفعة العامة عن المباني المطروحة للبيع والإدارة للقطاع الخاص، في إطار خصخصة أنشطة محدّدة لنقل الملكية لصالح الصندوق السيادي، الذي أنشأته الحكومة عام 2018.

يذكر أن الصندوق السيادي أسند تطوير "مجمع التحرير" إلى شركة غلوبال فينتشرز ومجموعة أوكسفورد ومقرها بالولايات المتحدة، في ديسمبر/ كانون الأول 2021، لتحويله إلى فندق يحمل علامة " كايرو هاوس"، يضم غرفا وجناحا فندقيا وشققا فاخرة، بالمشاركة مع شركة "العتيبة للاستثمارات" الإماراتية. واشترط المستثمرون اقتطاع جزء من ميدان التحرير لتحويله إلى حديقة أمامية للفندق، وتخصيص موقف للسيارات أمام المجمع، لحساب النزلاء، بما عرقل انتهاء الأعمال الخارجية للمشروع حتى الآن.

مخاوف بيع أصول الدولة التاريخية
تتجاهل الحكومة تحذيرات الخبراء من مخاطر اعتمادها على البيع وتأجير الأصول الاستراتيجية لجهة أجنبية واحدة، بدون رؤية شاملة للتطوير، تحافظ على الهوية الوطنية وبما يضمن استفادة جميع الفئات، ويحافظ على القيمة التاريخية والمعمارية للمباني.
وصف رئيس الرقابة المالية السابق شريف سامي "توجه الحكومة إلى الحصول على الدولار ببيع الأصول العامة وتصدير العقارات، بأنها "طحن بلا طحين"، مشيرا إلى أن إثارة الحكومة كثيرا لعملية الطروحات العامة، في البورصة وأمام المستثمرين دون أن تقدم خطة واضحة محددة زمنيا تخلق مشاكل في السوق. ونوه سامي في حديثه لـ"العربي الجديد" إلى وجود مشاكل قانونية تتطلب حسم العلاقة بين المالك والمستأجرين وفقا للقانون القديم، وحل المعوقات الخاصة بتسجيل العقارات وبيعها للأجانب، مع ضرورة مراعاة الحكومة للأصول التي يمكن أن تضحي بها الدولة، مقابل حل أزمتها المالية.
طالب سامي الحكومة بأن تلجأ في حالة الضرورة إلى الإسناد بحق الانتفاع للمستثمرين، حتى لا تفرط في الأصول المهمة، خاصة غير القابلة للتكرار بمنطقة "وسط البلد".

يذكر الخبير الاقتصادي مدحت نافع، أنه رغم أهمية صفقة رأس الحكمة في إحداث تدفقات استثمارية والتي تحاول الحكومة تكرارها في صفقة وسط البلد، فعلى الحكومة أن تنتبه إلى أن التدفقات الوفيرة مثل التي أحدثتها صفقة رأس الحكمة بــ 35 مليار دولار، ستحتاج إلى نفقات استثمارية من جانب الدولة لإقامة بنية أساسية تخدم المشروع، يمكن أن تزيد العجز في الديون الأجنبية، قائلا لـ"العربي الجديد" ستظل هناك أزمات عرض نقدي واستمرار التضخم طالما لم يجر حل القضايا الأساسية التي تواجه الاقتصاد، التي ترتكز على إعادة هيكلة شاملة للاقتصاد، وعدم الاعتماد على الاقتراض وبيع الأصول لتوفير السيولة دون حل المشاكل الجوهرية.

تنفيذ ببطء... وقلق التجار
يجري تنفيذ مشروع التطوير ببطء شديد، بما يعطل العمل بالمحلات التجارية بالمنطقة الواقعة، بشوارع "سليمان باشا وقصر النيل وعدلي وفؤاد 26 يوليو وعماد الدين ومحمد فريد" وميادين "طلعت حرب وباب اللوق ومصطفى كامل وعابدين والعتبة".
يشير خبراء إلى ارتفاع تكاليف عمليات الترميم وإزالة التعديات، مع وجود مخاوف من التجار من اتجاه الحكومة إلى تحويل شوارع وسط المدينة لسير المشاة، بما يعطل أعمالهم، مشيرين لــ"العربي الجديد" إلى تحول الشوارع المغلقة أمام السيارات، إلى مقاه عشوائية وسويقات على الأرصفة، تحد من قدرة السائحين والمارة على التسوق والاستمتاع بالسير بين المناطق التاريخية.
أخبر مدير إحدى سلاسل بيع الملابس الكبرى وسط المدينة "العربي الجديد" عن معاناة المستثمرين بالمنطقة من تعارض الرؤى بين الجهات الحكومية والخاصة حول استغلال العقارات التاريخية، بما يؤخر إصدار التراخيص وأعمال الترميم، ويعطل العمل بالمحلات لفترة زمنية طويلة، تعرضهم لخسائر فادحة، رغم ما يتحملونه من تكاليف عمليات التطوير.
يلقى المشروع معارضة من جانب السكان وأصحاب المحلات التجارية، الذين يخشون طردهم من الأماكن المستأجرة، مع تحميلهم تكاليف مالية هائلة، بالإضافة إلى إنفاق مليارات الجنيهات على عمليات التطوير التي تجري بمشاركة القطاع الخاص والجهات الحكومية، في المنطقة منذ سنوات، دون استفادة المقيمين من عوائدها، في حين تتجه الحكومة إلى بيع الأصول لشركات أجنبية وخاصة.

المصدر: عربي ٢١